(قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا) توقع نبيهم إن كتب عليهم القتال ألا يقاتلوا فيجمعوا بين ذلة الهزيمة، والفرار يوم الزحف، والنكوص في مقام الإقدام وعصيان الله سبحانه وتعالى؛ فبين لهم العقبى إن كتب عليهم القتال أي فرض ولزم بإلزام الشارع، ثم جاءوا بعد ذلك ونكصوا على أعقابهم، وفي هذا القول من النبي الكريم تنبيه إلى أمرين:
أحدهما: أن يفكروا في أنفسهم وفي حالهم، وفي قوة أعدائهم، وفي عاقبة القتال، فإن رأوا في أنفسهم القدرة على اللقاء، في ميدان القتال مع أعدائهم مهما يتكاثف جمعهم، أصروا على طلب فرضية القتال، واختيار ملك يتولى قيادتهم، ويكون قطبًا تدور رحى الحرب به وبتدبيره.
ثانيهما: أخذهم الأهبة والاستعداد للقتال إن أصروا عليه، فإن فيه الفصل، وليس بالهزل؛ حتى لَا تكون عقبى القتال أسوأ مما هم عليه.
وهنا بحث لفظي نشير إليه، وهو قوله تعالى:(قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا) فالاستفهام هنا للتنبيه إلى مخاطر القتال وحالهم من
الاضطراب، وتحلل الإرادة وتفكك العزائم، وأن حالهم هذه لَا يصلح لقتال، فعليهم أن يغيروها، فالمعنى: أتتوقعون إذا كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، فتبوءوا بإثم الهزيمة، وإثم الفرار، وإثم العصيان!.
و (عسى) معناها هنا توقع وقارب، فمعنى فهل عسيتم أي: فهل توقعتم إن كتب عليكم القتال ألا نقاتلوا؛ أي تومئ حالكم التي يبدو أنكم لَا تحاولون تغييرها، مع أن الاسنعداد للقنال يوجب تغبير الحال، وأنكم إذ توقعتم ذلك عالجتم حالكم.
و (عسى) لها استعمالان:
أحدهما: أن تكون بمعنى لعل، مثل قوله تعالى:(فَعَسَى اللَّه أَن يَأتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ منْ عِندِهِ. . .). فالمعنى: لعل الله أن يأتي بالفتح أو أمر، ويكون ما بعدها اسمها، وما يليه خبرها.