للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وثانيهما: أن تكون في معنى الفعل توقع أو قارب، وما بعدها يكون في معنى الفاعل، ويصح أن يكون في مقامِ الاسم إعرابًا، وهي هنا بهذا المعنى، كما هي في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَولَّيْتمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعوا أَرْحَامَكُمْ).

(قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) أجابوا نبيهم بأنهم قدروا حالهم، وعالجوا ضعف نفوسهم، وبينوا أن بواعث القتال قد توافرت، فحق علينا أن نقاتل؛ إننا قد أخرجنا من ديارنا باستيلاء العدو عليها، وأخرجنا من أبنائنا بسبيهم، وفصلهم عنا، وجعل قوتهم لأعدائنا وليست لنا، فساغ لنا القتال، بل وجب علينا؛ أي أننا في حال توجب القتال علينا، فما الذي يمنع منه؛ لقد توافر الباعث، وزال المانع فحق الجهاد، فإما فناء في طلب العزة، وإما بقاء في ظلها، بل إن حالنا شر أنواع الفناء؛ لأنه موت الأحياء!

وهنا بحث لفظي نشير إليه، وهو في موضعين:

أولهما: في قوله تعالى: (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، فالاستفهام هنا للنفي، والجار والمجرور " لنا " متعلق بفعل محذوف تقديره: ما سوغ لنا ألا نقاتل وقد أخرجنا من ديارنا! أي أنه لَا مسوغ قط لعدم القتال بعد خراب الديار وذهاب الأبناء إن المرء يدافع عن أرضه وعن ولده، وقد أخرجنا من الاثنين، فأرضنا ليست بيدنا، وأنفسنا ليست بأيدينا؛ إذ أخرجنا عن فلذات أكبادنا، وقُطِع عنا من هم قطع من نفوسنا.

الموضع الثاني - قوله تعالى: (وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا): الواو هنا واو الحال، ولكن ما حقيقة الإخراج؟ أهو الإخراج الحسي بطردهم من بلادهم، والفصل بينهم وبين أبنائهم، فطردوا الكبار من الديار، وأبقوا الصغار عبيدًا في الأرض وعسفاء فيها، أم المراد الخروج المعنوي بأن يكونوا في أرضهم وليس لهم من أمرها شيء، وأن يروا أولادهم وليس لهم من أمرهم شيء بأن يسبيهم عدوهم، أو يتخذهم قوة له بكل الوسائل المادية والنفسية؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>