للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد وصف التابوت بأن فيه سكينة أي أن فيه اطمئنانًا لهم، من حيث إنهم يرون في عودته بشرى بالسلطان والعزة والقوة، وقال سبحانه: (سَكِينَةٌ من رَّبِّكُمْ) إشارة إلى أن السكينة والاطمئنان فيض من فيوض الله سبحانه وتعالى يرحم به الناس؛ وإن اقترنت تلك السكينة بأسباب فليست تلك الأسباب العادية هي المؤثرة في وجودها، بل الذي يوجدها هو رب العالمين، ومن حكمته سبحانه أن جعلها مقترنة بتلك الأسباب الدنيوية، وإن كانت غير مؤثرة فيها بالإيجاد، بدليل أنه قد توجد تلك الأسباب ولا توجد معها السكينة، ولا يكون معها الاطمئنان قط، واقتران السكينة والاطمئنان بالأسباب ليطلب الناس الأسباب، ويرجوا الرحمة منه، وكل شيء عند الله بمقدار.

وفى التابوت كما ذكرنا بقية من آل موسى وآل هارون، أي آثارهم، وتلك الآثار هي سبب الاعتزاز به والتيمن واعتباره أمارة عزهم، والصلة بين حاضرهم وماضيهم؛ وفي تقديم السكينة على " بقية " إشارة إلى أن السكينة هي الغاية المطلوبة، والاطمئنان هو الأمر المرغوب، فتلك الآثار ليست في ذاتها الغاية، إنما الغاية هي السكينة، وقد اقترنت بوجودها لتكون علامة ومظهرًا، وإن المؤثر بالإيجاد هو رب العالمين كما ذكرنا.

وهنا يثار بحث: كيف كان إتيان التابوت؟ أجاء بأمر خارق للعادة، أم جاء بأمر عادي، وكان التنبؤ بمجيئه أمارة سلطان طالوت واختيار الله سبحانه له؛ ثم كيف كانت تحمله الملائكة؟ أهو الحمل الحقيقي، أم هي القوة الروحية الغيبية التي كانت بأمر الله تعالى من غير أن تعرف أسبابها ومظاهرها؛ كما ذكر الله سبحانه من أن الله كان يؤيد المسلمين بالملائكة في غزوة بدر، وما كانت إلا القوى الروحية؛ للإجابة عن هذا السؤال نقرر أن الباحثين في المسائل الدينية، والمعنيين بالدراسات القرآنية فريقان:

فريق يتجه إلى تفسيره بما يقرب معانيه من الأسباب العادية، ولا يفسره بالخوارق إلا إذا لم يكن مناص، من غير أن يؤول الألفاظ بما يناقض ظاهرها، ولا يتفق مع أسلوب القرآن ومنهاجه البياني.

<<  <  ج: ص:  >  >>