للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفريق لَا يحرص على تفسير القرآن بالأسباب العادية، بل يفسره بالخوارق ما دام ظاهره يؤدي إلى ذلك من غير محاولة تقريب؛ لأنه كتاب يتحدث عن الله، والأسباب إنما يقيد بها العباد، والله خالق كل شيء فهو فوق الأسباب والمسببات، وهو الفعال لما يريد، وكل محاولة لتقريب الألفاظ التي يدل ظاهرها على خرف للعادات إنما هو لتحكيم الأسباب العادية في الإرادة الإلهية، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

ولقد كانت العبارة السامية (إِنَّ آيَةَ مُلْكه أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ من رَّبِّكمْ وَبَقِيَّةٌ ممَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائَكًةُ) هذه العبارة الكريمة موضع نظر أولئك الباحثين على اختلاف منهاجهم، فالذين لَا يحكمون العبارات بالأسباب العادية قالوا: إنه قد أتاهم التابوت تحمله الملائكة حقًّا، وإن كان هذا بطريقة لم يفصلها القرآن، فهي واضحة الدلالة بينة المعنى؛ ويرشحون قولهم بأن الآية الإلهية التي تدل على اختيار طالوت يجب أن تكون أمرًا خارقًا للعادة، لتكون الدلالة على اصطفاء الله له قائدًا ومدبرًا واضحة بينة، فالملائكة حملته حقًّا، وهم جنود الله الذين لَا نراهم وإن كنا نؤمن بهم.

والفريق الثاني الذي يفسر القرآن بالأسباب العادية ما وسعت العبارات ذلك قالوا: إن التابوت قد جاء إلى بني إسرائيل إما بأنهم عثروا عليه، وقد غيب عنهم أمدًا طويلا من غير أن يعلموا له مكانًا، والآية هي إخبار نبيهم لهم بذلك قبل وقوعه، وحمل الملائكة له هو بالقوة الروحية التي وفقتهم له بعد طول فقدهم كالقوى الروحية التي أيدت المسلمين في غزوة بدر وغيرها من الغزوات الإسلامية.

وإما أن يقال: إن إعادة التابوت في جولات الحرب التي كللت بالانتصار هي العلامة على إمرةِ طالوت التي كانت باختيار إلهي، وأمر لدني؛ والمعنى على ذلك: إن آية ملكه وأمارته أنه سيقودكم إلى مواطن الظفر ومواضع الفخار وستعود إليكم في حروبه شارة عزتكم، وأمارة مجدكم التليد، وعزكم الغابر وهي التابوت، وإنه سيعود إليكم مكرمًا معززًا تحمله ملائكة الله، والقوى الروحية. وفي هذا إشارة إلى أن أمارة السلطان العمل المنتج المثمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>