على ترك هذه الفرائض ما أنظرهم الله طرفة عين ثم تلا اقوله تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)(١).
وأما دفع الله بعض الناس الأشرار ببعض الناس الأخيار في الأمم بعضها مع بعض فإن ذلك بجهاد الأمم التي تعمل للحق للأمم التي يناصر أكثرها الباطل، أو تسكت عن ظلم حكامها لغيرهم من الأمم. ولقد روي أن ابن عباس قال في تفسير قوله تعالى:(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ): " لولا دفع الله العدو بجنود المسلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين وخربوا البلاد والمساجد ".
وفى الجملة أنه لابد للحق من قوة تدفع الباطل، وأن الله قد أمد الأخيار بقوته، ليدفعوا الشر ويكفكفوا من حدته.
وفى العبارة السامية إشارة إلى أن تلك المغالبة هي في طبيعة البشر بمقتضى خليقتهم وفطرتهم، إذ قال سبحانه:(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ) فهو سبحانه قد حكم بأن دفعه للناس أجمعين، ثم أردف القول بالبدل بقوله:(بَعْضَهُم بِبَعضٍ) وفي ذلك إشارة إلى أن تلك المدافعة بين الناس مستمرة، وأنها ليست في جيل دون جيل، ولا زمان دون زمان، ولا يتعين أن يكون قوم بأعيانهم للشر، وآخرون للخير، فقد يكون بعض الناس فيه خير في بعض نواحيه، فيدفع شر غيره في هذه الناحية، ويكون في الآخر ما يدفع به شرا في بعض نواحي الأول، وقد يكون بعض الأقوام في جانب الحق ينصرونه لغايات في نفوسهم، وإن لم يكونوا فضلاء في عامة أحوالهم، فالشر يدفع بالبر والفاجر، وينصر الحق بالأخيار والأشرار، ولذا لم يقل سبحانه وتعالى: ولولا دفع الله الأشرار بالأخيار، بل قال سبحانه:(بَعْضَهُم بِبَعْضٍ) ليعم تلك الأحوال، وذلك من فضل الله على عباده؛ ولذا ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالت كلماته:(وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).
(١) راجع الدر المنثور للسيوطي ج ١ ص ٧٦٤، كما ذكره القرطبي: سورة البقرة (٢٥١).