للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد دل ذلك الختام الكريم على ثلاثة أمور:

أولها: أن ذلك التنظيم الحكيم هو من فضل الله ورحمته، وإنعامه على خلقه، وليس ذلك بواجب عليه سبحانه؛ وذلك لأنه خلق الناس، وخلق معهم عقولا يعرفون بها خيرهم وشرهم، فإن ساروا في طريق الخير والفلاح فلهم ما قصدوا إليه، وإن ساروا في طريق الشر والفساد فإلى الهاوية يسيرون، وعليهم وبال أمرهم، وعاقبة عملهم إنما هو من فضله، وقد دل على ذلك الاستدراك بقوله تعالى: (وَلَكِن اللَّهَ ذُو فَضْلٍ) وصف ذلك بأنه فضل من رب العالمين خالق الناس أجمعين.

الأمر الثاني: فضل الله سبحانه وتعالى الكثير، ووصفه سبحانه بأنه ذو فضل، وقد دل على كثرة الفضل التنكير في قوله تعالى: (ذُو فَضْلٍ) أى ذو فضل كثير، لَا يدرك الناس قدره، ولا يعرف كنهه، ولا يحد بمقدار حتى يعرف ويعين بالتعريف.

الأمر الثالث: أن النعمة التي أنعم الله بها على خلقه من دفع الفساد يَنْعَم بها المؤمنون والمشركون، والأشرار والأبرار، لأن الفساد إذا عم لَا يسلم منه أحد، والخير إذا تحقق عم الجميع، وقد دل على هذا المعنى قوله تعالى: (عَلَى الْعَالَمينَ) فلم يقل على المؤمنين أو المتقين، بل عم الخير على الناس أجمعين للإشارة إلي ذلك المعنى الجليل.

هذه قصة بني إسرائيل الذين غلبوا على أمرهم ثم بدلوا من الذلة عزة، وهي قصة تكشف عن سنن الاجتماع والحروب، وأمثل طرق الحكم.

فمن سنن الله في الجماعات التي أشارت إليها الآيات أن الجماعة إن غلبت على أمرها، وسامها الغالب الخسف والهوان تحفزت قوى آحاد منها للحياة، فطلبوها عزيزة كريمة، فإذا طالبوا اتجهوا إلى قيادة تجمع أمرهم، وتنظم شئونهم، ثم ساروا تحت لواء تلك القيادة، وقد تصارعت عوامل الضعف مع دوافع العزة، فإن كان الصبر كان معه النصر وإن ضاقوا بأمرهم كان الخذلان، وضربت عليهم الذلة إلى يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>