للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد أن أشار سبحانه إلى علو منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذكر ما اختص به عيسى عليه السلام من فضل فقال: (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) وكان ذكر فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - بين فضل النبيين قبله للمسارعة إلى أنه مهما يكن ما اختص كل واحد منهما من معجزات ترفعه فمقامه ليس أعلى من مقام النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل للنبي فوق ذلك درجات.

ذكر الله سبحانه ما اختص به عيسى من فضل (وَآتَيْنَا) أي أعطينا (عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ) أي المعجزات المبينة لصدق رسالته، من إحياء للموتى، وإبراء للأكمه والأبرص، وتصوير للطين كهيئة الطير، ثم يصير طيرًا بإذن الله، وإخبارهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وغير ذلك مما يدل على علو روحي، وأنه مؤيد من رب العالمين، وقال سبحانه في فضله أيضا: (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) والقدس أصل معناه الطهارة، وهو يطلق على الطهارة المعنوية، وروح القدس الذي أيد الله به عيسى عليه السلام هو جبريل الأمين، وهو في عبارات الإسلام وفي لغة القرآن يطلق عليه؛ فقد قال تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ. . .)، أي أن القرآن الكريم نزل به الروح القدس الأمين، ولذا قال سبحانه في آية أخرى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ). وقد قيل إن روح القدس هو الإنجيل؛ وذلك لَا يختلف في الجملة عن سابقه، إذ إن جبريل هو الذي نزل بالإنجيل والتأييد بروح المقدس حينئذ يكون مقصورا على نزول الإنجيل، ولكن إطلاق العبارة في التأييد يشمل نزول جبريل بالإنجيل وتأييده بغير ذلك، فتفسير روح القدس بالإنجيل تفسير يؤدي إلى تأييد جزئي، أما تفسيره بجبريل الأمين فهو تفسير يؤدي إلى تأييد أوسع شمولا.

ولماذا خص سيدنا عيسى عليه السلام بأنه مؤيد بالروح القدس وهو جبريل، مع أن أكثر النبيين كانوا مؤيدين بنزول الشرائع من الله عليهم عن طريق جبريل؟ والجواب عن ذلك أن السيد المسيح عليه السلام لم يكن محاربا لخصومه، بل عاش حياته كلها بين خصومه وأعدائه الذين يتربصون به الدوائر، من رومان ووثنيين

<<  <  ج: ص:  >  >>