للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويهود ماديين، ولم يؤذن له في القتال، حتى يتولى حماية نفسه بسيفه وسيوف أنصار الحق معه، كالشأن بالنسبة لموسى وداود وسليمان، ومحمد - صلى الله عليهم وسلم -، فكان يتولى حمايته رب العالمين بملائكته الأطهار والأمين جبريل يعاونه، ولعله هو الذي أنقذه من بني إسرائيل وقد بسطوا أيديهم لقتله، وأغروا به الرومان ليقتلوه، فرفعه الله سبحانه وتعالى إليه.

(وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ) أرسل الله سبحانه وتعالى رسله، وخص كل رسول بمعجزات قاطعة من شأنها أن تهدي إلى الصراط المستقيم إن استقامت الفطرة، ولم تنحرف العقول، ولم يطمس على القلوب؛ ولكن الدليل وحده لَا يهدي، بل لابد من نفوس متقبلة، واتجاه لطلب الحق اتجاها مستقيما، ولذلك لم يكن الناس متفقين في تلقي ما جاء به الرسل بل كان منهم من غلبت عليه شقوته، فحارب الحق وحارب النبيين معه، ومنهم من آمن واهتدى، فكانت المغالبة بين الحق والباطل، والهداية والضلالة، وكان الاقتتال بين أنصار الحق، وأنصار الباطل، وبين الضالين والمهتدين؛ لَا يترك الضالون الحق يسير في مجراه، ويصل في القلوب إلى منتهاه، بل يقاومونه، وينزلون الأذى بأهله.

وهنا يتساءل العقل البشرى: لماذا لم يكن الناس جميعا على شرع سواء؛ ولماذا لم يكن الناس جميعا على الهداية؛ فبين سبحانه وتعالى أن تلك مشيئته، وهذا هو التكوين الذي كون الخلق عليه، ولذا قال سبحانه وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم)، أي لو شاء ألا يقتتل الذين جاءوا من بعد الرسل ما اقتتلوا، فالمفعول للفعل شاء محذوف دل عليه جواب الشرط؛ والمعنى أن الذين جاءوا من بعد الرسل بعد أن بين لهم الرسل المحجة الواضحة البيضاء التي لَا يضل فيها سالك، قد اقتتلوا حولها ما بين مؤيد لها، ومعاند كافر بها، ولو شاء الله سبحانه ألا يكون في كل نفس استعداد للطاعة، واستعداد للعصيان، ونزوع إلى الشر، واتجاه إلى الخير، كما قال تعالى في تكوين الإنسان: (وَهَدَيْنَاة النَّجْدَيْنِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>