للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي خلقناه وفي نفسه استعداد للسير في نجد الخير، واستعداد للسير في نجد الشر، وكما قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨).

وإذا كانت النفوس كذلك، فمنهم من يغلب عليه الخير فيطلب الحق ويهتدي به، ومنهم من يغلب عليه الشر فيعرض عن الخير فيطلب الحق ويهتدي به، ومنهم من يغلب عليه الشر فيعرض عن الخير وينأى بجانبه، فالأولون يؤمنون بما جاء به الرسل، والآخرون يكفرون بالحق الذي جاءوا به، ولذا قال سبحانه بعد ذلك: (وَلَكِنِ اخْتَلَفوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ) أي اختلفوا في النفوس والعقول والمدارك، واستقامة الفطرة وانحرافها؛ فترتب على ذلك أن كان منهم من آمن لانَ قلبه يتجه إلى الحق اتجاها مستقيما، ومنهم من كفر لأن قلبه عميَ عن إدراك الحق، واستولت عليه النزعات المردية، فاتخذ إلهه هواه.

وهنا إشارات بيانية من أسرار إعجاز القرآن، فلنذكر بعضها مما أدركته مداركنا:

- ومن هذه الإشارات البيانية الرائعة، أن الله سبحانه وتعالى ذكر المسبب قبل أن يذكر السبب، لأن الاختلاف في الإيمان هو سبب الاقتتال، فذكر الله سبحانه وتعالى أولاً الاقتتال الذي هو النتيجة لهذا الاختلاف، للإشارة إلى بيان أسوأ أحوال الاختلاف، ليبين للناس ما يتعرض له الدعاة إلى الحق من تعرضهم للقتل والقتال، وللإشارة إلى أنه سبحانه وتعالى قادر على إزالة الاقتتال في ذاته حتى مع وجود أسبابه؛ فالله سبحانه وتعالى لَا يتقيد بالأسباب والمسببات، لأنه سبحانه وتعالى خالق الأسباب والمسببات، وهو الرابط بين الأشياء ونتائجها، وليقرن سبحانه وتعالى أسوأ النتائج بخير المقدمات، فيتبين الناس مقدار ضلال العقل البشرى إن انحرف عن فطرته.

- ومن الإشارات البيانية قوله تعالى: (مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ)، ففي ذلك بيان مقدار ما في حيز الإنسان من حب المنازعة، وما استقر في ثنايا الإنسان من تنازع بين الخير والشر في أنفس الآحاد وأنفس الجماعات؛ لأن ذلك الاقتتال بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>