للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن جاءتهم البينات أي الأدلة الواضحة المعلنة للحق الكاشفة له، فليس اقتتالهم عن جهالة، بل هو بعد أن تبين الحق ووضحت معالمه؛ وذلك لأن الهوى يعمي، والأعمى لَا يبصر ولو كانت الشمس مشرقة.

- الإشارة الثالثة: الاستدراك في قوله تعالى: (وَلَكِنِ اخْتَلَفوا) فإن هذا الاستدراك يشير إلى أمرين:

أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى لم يشأ أن يزيل القتال؛ لأنه سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفي المنازع، منهم من يتقبل الحق ويصغي فؤاده إليه، ومنهم من يعرضون عنه (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ ورسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ منْهم مُّعْرِضونَ).

الأمر الثاني الذي دل عليه هذا الاستدراك: أن مجيء البينات المعلنة الكاشفة كانت توجب أن يكونوا جميعًا مجيبين، ولكنهم كانوا مختلفين، فالناس ليسوا سواء.

(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) الاقتتال خالد إلى يوم القيامة، لأن الله سبحانه وتعالى قال لآدم وزوجه وإبليس: (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ. . .)، وقد كان القتال السابق بسبب الإيمان. والكفر أو بسبب إجابة بعض الناس للأنبياء وجحود الآخرين لرسالات الرسل بعد أن قامت عليها البينات، وثبتت دعوة الحق بالأدلة؛ وهنا يبين بشكل عام أن الله سبحانه لو شاء لمنع الاقتال سواء أكان الاختلاف على غرض من الأغراض، فإن المغالبة في طبيعة الإنسان؛ ذلك أن في الإنسان بطبعه حبًّا للعلو، والمنازع مختلفة، والقوى متباينة، والفرص قد تواتي فريقا، وتناوي فريقا، وإذا اتحدت القوى والفرص فقد يحدث موانع لهذا لا تحدث لذاك، وبهذا يعلو فريق على فريق، فيكون النزاع، ويكون الغلاب ويكون الاصطراع، ويسري ذلك التعالي في كل شيء في السلطان وفي التجارة، وفي الاقتصاد، بل في الذاهب الاجتماعية.

وإذا وجد ذلك الصراع فسيكون من ورائه - إن اشتد - القتال، ولو شاء الله لجعل بني آدم على طبيعة الملائكة لَا يتنازعون، ولا يتقاتلون، ولكن الله الذي خلق

<<  <  ج: ص:  >  >>