للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن إنفاق المال في سبيل الله على المعنى الذي وضحناه هو عنصر القوة في الأمة، وبالقوة تستطيع الأمة أن تدافع عن نفسها، وترد كيد أعدائها في نحورهم.

وكان الإنفاق على ذلك النحو عنصر القوة في الأمة لثلاثة أسباب:

أولها: أن المال عدة التسليح، ولا قتال من غير سلاح يفل شوكة العدو ويدفع كيده، بل يمنعه من أن يفكر في الاعتداء، فإنه لَا شيء أنفَى للقتال من السلاح؛ فذو الناب لَا يعدو على ذي الناب، وتعدو الذئاب على من لَا كلاب له.

وثانيها: أن الإنفاق في سبيل إقامة العمران رفع لمستوى الأمة الاقتصادي، والاقتصاد سلاح ماض، والحرب اليوم تلبس لبوس الاقتصاد في الحصار الاقتصادي والتضييق التجاري.

وثالثها: أن الإنفاق على ضعفاء الأمة يجعل منهم سواعد قوية تحمي الذمار، وإن تركهم يجعل منهم شوكة في جنب الدولة يعوقها عن العمل، وقد يكونون قوة مدمرة مخربة، وإن الهرة إذا جوعتها انقلبت ذئبًا.

وقد قال سبحانه وتعالى في المال المنفق منه (مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ) إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أفاض بنعمته على الغني فهيأ له الأسباب، ومكنه من الفرص، ومنع عنه العوائق، فإن أنفق في سبيل الله فأعطى المجاهدين، والضعفاء، فمن المال الذي مكنه الله منه أنفق؛ ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " ابغوني في ضعفائكم، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم " (١).

والإنفاق المطلوب في هذه الآية واجب، بدليل الوعيد الذي تضمنه الطلب " ولذا قال كثير من المفسرين إن الإنفاق المطلوب في هذه الآية هو الزكاة، والزكاة ينفق منها في الجهاد وللفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين، ففيها كل المعاني التي تتحقق بها قوة الأمة من حماية للحوزة وسد للخلة، وإقامة للعمران.

وإنا نوافقهم على أن الإنفاق المطلوب في هذه الآية إنفاق واجب؛ ولكنه أعم من الزكاة، فليس الإنفاق الواجب مقصورا على الزكاة. . بل الإنفاق في الحرب


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>