للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اقتتل الذين جاءوا بعد النبيين كما بينت الآية السابقة، واختلفوا في تلك الحقيقة المقررة الثابتة التي دعا إليها النبيون منذ أول مبعوث رحمة للعالمين؛ ولقد ناسب أن يبين سبحانه بعد ذكر الخلاف ثم القتال ما جعله المشركون موضع خلاف، وهو في حقيقة الأمر فوق كل خلاف إن استقامت العقول، وسلمت الفطرة، ولم يُدَسِّ النفس في الشر نازغ الشيطان، ويضل ابن آدم حتى يطمس في قلبه نور البرهان.

ولذلك قال سبحانه: (اللَّه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وهذه الآية الكريمة تذكر صفات الله تعالى وسلطانه وكمال وجوده، وفيضه بنعمة الوجود على كل شيء في الوجود. ولقد ذكر العلماء أنها تشتمل على حقيقتين مقررتين تؤكدان معنى الوحدانية، وتربيان المهابة الإلهية في قلب كل مؤمن صافي السريرة قد خلا قلبه من كل رين الشرك؛ ومن مظاهر العبودية لغير الله سبحانه وتعالى:

الحقيقة الأولى: أنها تشتمل على عشر جمل، كل جملة منها تشتمل على وصف أو وصفين فيه بيان كمال الله العلي الأعلى، وسلطانه الشامل الكامل، وألوهيته الحق المستقرة في ثنايا كل نفس إلا من ختم الله على قلبه. الحقيقة الثانية: أنها أكثر آي الكتاب الكريم ذكرًا لله رب العالمين. ولقد ذكر بعض العلماء أن الله العلي العليم ذكر فيها بالاسم الظاهر أو الضمير أكثر من سبع عشرة مرة، وقد أحصاها عدا.

ولاشتمال تلك الآية الكريمة على ذكر الاسم المقدس، وتنزيهه سبحانه وكمال سلطانه، وامتيازها بتكرار ذكر الله - ذكر كثير من العلماء أنها أعظم آية في كتاب الله، واستندوا في ذلك إلى أخبار صحاح وردت في صحاح السنة، من أقوال النبي الأمين (١). والقرآن كله فوق قدرة العقل البشرى، وهو في ذاته أعظم كتاب نزل من


(١) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: ٢٥٥]. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ " [رواه مسلم: صلاة المسافرين - فضل سورة الكهف وآية الكرسي].

<<  <  ج: ص:  >  >>