للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رب العالمين، لأنه كتاب الحقيقة من بدء الخليقة، ولا نرى ما يمنع أن تتفاوت آياته في العظم، وإن كان أصل العظم التسامي عن قدرة البشر محققًا مؤكدًا فيه كله، وفى كل آية بخصوصها.

(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) تلك هي الجملة السامية الأولى من الجمل العشر التي اشتملت عليها الآية الكريمة، ولفظ الجلالة " الله " قال العلماء: إن أصله: إله، دخلت عليه أداة التعريف " أل " وحذفت الهمزة فصارت: الله. وهي بهذا المعنى تفيد التعريف بأنه وحده هو الإله، فهي تتضمن معنى الألوهية المنفردة، دلت على ذلك " أل " التي تفيد التعريف، فمعنى كلمة الله: الإله المنفرد بالألوهية التي لَا يشاركه فيها سواه، وعلى ذلك تكون كلمة الله تفيد معنى استحقاق العبادة، ومعنى الوحدانية، ومعنى الكمال كله، لأنه النفرد بذلك كله، فإذا أطلق اللفظ انصرف إليه، ولم يفهم منه سواه، تعالى سبحانه عن الشبيه والمثيل، والمقارب والنظير.

وإن ذلك المعنى المفهوم من لفظ الجلالة وأصل اشتقاقه قد صرح به في هذه الآية الكريمة، فقد قال سبحانه: (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) فهو تصريح بما فهم ضمنًا مما قبله، فاجتمعت في الدلالة على الوحدانية الدلالتان: الدلالة التضمنية، والدلالة اللفظية، أو الدلالة بالإشارة، والدلالة بالعبارة، فكان في ذلك تأكيد فضل تأكيد لمعنى الوحدانية في الألوهية. ومعنى قوله تعالى: (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) لَا معبود بحق إلا هو، وهذا هو المعنى الذي اختاره جمهور المفسرين، وهو واضح، وفيه إشارة إلى وقائع الأمور، ذلك لأن بعض الناس عبدوا غير الله تعالى، فعبد بعضهم الشمس والكواكب، وعبد بعضهم النار، وعبد بعضهم الأوثان، واعتبروا كل هذه آلهة، فكانت عبادتهم باطلة وبغير حق إنما المعبود حقا، والمستحق للعبادة صدقا هو الله سبحانه وتعالى، وهو العليم الحكيم، العلي القدير.

ولقد سلك بعض العلماء مسلكا آخر في تفسير قوله تعالى: (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) فذكر أن معنى الألوهية هو تسخير الكون كله لقوة القادر الغالب على كل شيء، وتعلق الخلق كله بخالقه، واتصاله به اتصال إنشاء وتكوين، ثم اتصال تدبير

<<  <  ج: ص:  >  >>