للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو وحده كامل الوجود، وفوق كل موجود. وقد ذكر الأستاذ الشيخ محمد عبده بيان وجه الكمال في صفة الحياة له سبحانه، فقال في رسالة التوحيد:

" إذ وجب أن يكون له سبحانه صفة الحياة، وهي صفة تستتبع العلم والإرادة؛ وذلك أن الحياة مما يعتبر كمالا، للوجود بداهة؛ فإن الحياة مع ما يتبعها مصدر النظام وناموس الحكمة، وهي في أي مراتبها مبدأ الظهور والاستقرار، فهي كمال وجودي، ويمكن أن يتصف بها الواجب، وكل كمال وجودي يمكن أن يتصف به وجب أن يثبت له، فواجب الوجود حي، وإن باينت حياته حياة الممكنات، فإن ما هو كمال للوجود إنما هو مبدأ العلم والإرادة، ولو لم تثبت له هذه الصفة لكان في الممكنات ما هو أكمل منه وجودا. . والواجب هو واهب الوجود وما يتبعه فكيف يكون فاقدًا للحياة ويعطيها؟ ".

وإذا كان الله سبحانه وتعالى حيًّا ذا إرادة كاملة، وعلم شامل، وقدرة قاهرة، فإن الكون نشأ بإرادته، وقام بسلطانه، وهو فوقه والمسيطر عليه، ولم ينشأ عنه سبحانه كما ينشأ المعلول عن علته، كما قال بعض الفلاسفة قديمًا، وكما يزعم بعض الماديين حديثًا، ممن ينكرون القوة الغيبية المسيطرة القادرة المريدة.

و (الْقَيُّومُ) معناه القائم بنفسه الذي لَا يقوم بغيره، فلا يحلُّ في شخص ولا في شيء؛ والقائم على كل شيء بالتدبير والحياطة والكلاءة (من يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. . .)، والقائم على كل نفس يحصي عليها ما كسبت وما اكتسبت، والقائم الداِئم الذي لَا يفنى ولا يزول.

ويظهر أن كلمة قَيُوم بهذا المعنى كانت معروفة عند العرب وصفًا لله سبحانه وتعالى؛ فقد قال أمية بن أبي الصلت:

لم تُخلق السماءُ والنجومُ ... والشمسُ معها قمر يقومُ

قدَّره مهيمن قيومُ ... والحشرُ والجنةُ والنعيمُ

إلا لأمْرٍ شأنُهُ عَظِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>