للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأصل اشتقاق قيوم من قام يقوم قياما، ووزن قيوم فيعول، أصلها قيووم، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.

(لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) هذا وصف سلبي يؤكد الوصف الإيجابي السابق؛ فإن قيامه سبحانه وتعالى على الكون وكلاءته له يقتضي ألا تأخذه سِنة ولا نوم، لأن الحركة المستمرة للعالم، والبنيان الذي ارتبطت به أجزاؤه يقتضيان ألا تعرض غفلة للقائم عليه: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ. . .). ولأن السِّنة والنوم من أعراض الجسم الحيواني، سواء أكان ناطقا أم كان غير ناطق، والله سبحانه وتعالى منزه عن مشابهة الحوادث، وليس سبحانه وتعالى جسما، وليست له أعراض أي جسم. والسِّنة هي النعاس، وهو ما يسبق النوم من فتور، وقيل إن السِّنة أسبق من النعاس، وذلك أنه تحدث ثلاث مراتب عند وجود أسباب النوم: أن يُحِسَّ الشخص بفتور ويبتدئ يفقد سيطرته على أعضائه، ثم يجيء النعاس، فتتراخى العين، وتبتدئ الأعضاء كلها في التراخي، ثم يحصل النوم، وبه يفقد الشخص وعيه، ولذا قال المفضل: " السِّنَة، من الرأس، والنعاس في العين، والنوم في القلب " والسِّنة أصلها وَسْنة، حذفت الواو ثم كسرت السين ليمكن الابتداء بها، ففعلها وسَن. وقد قال عَدِي بن الرِّقاع:

وَسْنان أقْصَدَهُ النُعَاسُ فَرَنَّقَتْ ... فِي عَيْنِهِ سِنَةٌ ولَيْسَ بِنَائِم

ولقد كان مقتضى النسق أن ينفي عنه سبحانه النوم، ثم ينفي السِّنة، لأن نفي النوم لَا يقتضي نفي السِّنة، وعلى العكس نفي السِّنة يقتضي نفي النوم.

ولكن عدل عن ذلك، بنفي السِّنة ثم نَفى النوم لمعنى بلاغي، ذلك أن الترتيب الطبيعي لهذه الحقائق في الوجود أن السِّنة تسبق النوم، وإن ذلك الترتيب الطبيعي يعطي للقارئ صورة حية للتالي لكتاب الله تعالى، إذ يتصور الذين يعرض لهم النوم كيف يبتدئ بالسنة ثم النعاس ثم النوم، وإذا تصور ذلك المنظر الطبيعي تصور معه الضعف الإنساني أمام سلطان النوم بمقدماته، وإذا تصور ذلك تبينت له استحالة

<<  <  ج: ص:  >  >>