للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك على الله سبحانه وتعالى القوي القادر القاهر لكل شيء، فكان ذلك الترتيب الطبيعي فيه إشارة إلى دليل مانع من أن يوصف المولى العلي القدير بهما.

وفى التعبير بقوله سبحانه: (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) إشارة أخرى إلى استحالة قيامهما بالذات العلية فقوله: (لا تَأْخُذُهُ) فيها دلالة على القوة القاهرة للنوم، وأنها تأخذ الحيَّ أخذًا، وتقهره قهرًا، وذلك مستحيل أن يكون للقاهر فوق عباده.

والنوم معروف، وهو حقيقة ترى، كما يرى الضوء، وكما تحس الحرارة، ولكن ما سببه؛ وقد اتفق المتقدمون والمتأخرون على أن سببه التعب الجسمي، وإن كانت عباراتهم مختلفة في تأثير التعب على الجسم حتى يكون منه النوم، فيقول البيضاوي في تفسيره: " النوم حال يعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأسا ".

وقال علماء العصر: (إن النوم وقوف سلطان المخ على الأعضاء بسبب ما تولده الحركة من السموم الغازية المؤثرة في العصب). وقيل بسبب ما تفرزه الحويصلات العصبية من الماء الكثير وقت العمل، فكثرة هذا الماء تضعف قوة تأثير المخ في العضلات، فيحدث الفتور، فيكون النوم، ويستمر ذلك إلى أن يتبخر ذلك الماء، وعند ذلك تتنبه الأعصاب ويرجع إليها تأثرها وإدراكها ".

(لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) في هذه الجملة السامية إثبات كمال سلطانه سبحانه، وتمام سيطرته على الكون؛ لأنه ملكه، ولا مالك فيه غيره. وذكر السماوات بالجمع، للإشارة إلى ملكية كل دقائقها، وكل نواميسها وسننها، فهو الذي يغير فيها ويبدل، وهو الذي أوجدها على ذلك النسق البديع المحكم الذي ربط أجزاءها بأواصر قوية. وكان إفراد الأرض مع جمع السماوات للإشارة إلى وحدتها في الجملة بالنسبة لعالم السماوات، وإن كانت الأرض طبقات؛ وللإشارة إلى أن ما في الأرض ليس إلا مظهرًا من حركات السماء، وأن الأرض شيء صغير بجوار السماوات وما فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>