والجملة السامية تفيد الملكية المطلقة لرب العالمين، فيملك ما فيها من حي وجماد، ومن ناطقين وغير ناطقين، والجميع في قبضة العليم الخبير.
وتقديم الجار والمجرور وهو " له " لإفادة القصر، أي ملك السماوات والأرض له سبحانه، فليس لأحد سواه، فهو المنفرد بالسلطان فيها، والملكية لها؛ فهذا القصر يدل على الوحدانية في الخلق والتكوين، كما يدل قوله تعالى:(لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. . .) على الوحدانية في العبادة.
(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) الاستفهام في هذه الآية إنكاري: لمعنى النفي، أي لَا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، وسيق النفي بطريق الاستفهام للإشارة إلى استحالة ذلك كأنه قد سئل وبحث عن نظير تكون له قدرة الخالق الباري حتى يكون شفيعًا عنده قريبًا منه يؤثر في إرادته، فلم يوجد، لأن ذلك مستحيل استحالة مطلقة.
والشفيع يكون: لمعنى النصير للمشفوع لأجله، المعاضد له، ويكون في مرتبة المشفوع عنده أو قريبًا منه؛ لأنه يؤثر في إرادته، ويحوله من نظر إلى نظر، وله معه أو عنده سلطان أو شركة في أمره؛ وإن ذلك مستحيل على الله سبحانه وتعالى، فلا نظير له سبحانه؛ إنه القادر فعال لما يريد، فلا إرادة لأحد بجوار إرادته سبحانه، إنما الإرادة له وحده؛ ولذلك كان أكثر العلماء على أن هذه الجملة السامية سيقت لبيان عموم سلطانه، وأنه قد انفرد بالتدبير، فلا إرادة لأحد في سلطانه غير إرادته.
ولقد قال البيضاوي، وهو من أئمة أهل السنة، في تفسير قوله تعالى:(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)" بيان لكبرياء شأنه، وأنه لَا أحد يساويه أو يدانيه، يستقل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة، فضلا عن أن يعاوقه عنادًا أو مناصبة أي مخاصمة ".
وإنه من كمال سلطانه وشمول إرادته أنه لَا إرادة لأحد إلا مشتقة من إرادته؛ ولذا كان الاستثناء في قوله تعالى:(إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي أنه لَا يكون لأحد إرادة إلا إذا كانت مستمدة من إذنه؛ فهو المسيطر على كل شيء، يعطي من يشاء ويمنع من