يشاء، ويأذن لمن يشاء، ويعطي لمن يشاء إرادة في سلطان إرادته، هو المنفرد بالأمر والتدبير.
وأصل كلمة الشفاعة من الشفع بمعنى الضم، ولقد وضحها الأصفهاني في غريب القرآن، فقال:
" الشفع ضم الشيء إلى مثله. . والشفاعة الانضمام إلى آخر مناصرًا له وسائلا عنه؛ وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى، ومنه الشفاعة في القيامة؛ قال تعالى:(لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)، وقال تعالى:(لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن. . .) ".
وترى أن هذه الآية الكريمة على تخريج كثير من المفسرين لَا صلة لها بالشفاعة يوم القيامة، التي هي موضع خلاف فينفيها المعتزلة، ويؤولون الآية الواردة بها بأنها معلقة على الإذن، ولم يثبت تحقق ذلك الإذن بدليل قطعي، وما ورد من الأحاديث المثبتة للشفاعة المفصلة لما يجري فيها يوم القيامة من شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما هي أحاديث آحاد، وأحاديث الآحاد لَا تثبت بها العقائد، والإيمان بالشفاعة يوم القيامة لَا يسوغ أن يثبت إلا بدليل قطعي لَا شبهة فيه.
والجمهور على إثبات شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - بإذن ربه، تكريمًا له عليه الصلاة والسلام، ورحمة بالناس، وعفوًا من الله العلي القدير، والأحاديث الواردة في هذا الباب صحيحة كثيرة، قد أثبتت في الصحاح من كتب السنة، فلا يصح أن ينكرها أحد، وإن لم تبلغ في قوة الاستدلال بها مبلغ الدليل القطعي الذي لَا شبهة فيه، ولا يدخله الاحتمال قط.
ولقد قرر الزمخشري وهو من المعتزلة أن هذه الجملة السامية لَا تثبتها، وقال في ذلك:(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) بيان لملكوته وكبريائه، وأن أحدًا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام، كقوله تعالى:(لا يَتَكَلَّمُونَ إلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن. . .).