للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فذاته العلية جلت عن المشابهة، وهو الخالق القاهر القادر، وهو وحده الإله المعبود بحق، وهو الذي يسبح كل شيء في الوجود بحمده، فهو العظيم وحده، والمعبود حقا وحده، المعظم وحده. وإذا كانت غواشي الحياة قد أضلت الأكثرين فلم يدروا عظمته في الفانية، فستتجلى لهم عظمة ذي الجلال في الباقية، وهم من خشيته مشفقون (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (١٠٩) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢).

أما بعد، فهذه آية الكرسي، أعظم آية في كتاب الله، كما ورد في بعض الآثار المثبتة في الصحاح؛ وإنها لتدل على وحدانية الله تعالى بكل شعبها؛ ذلك بأن الوحدانية لها شعب ثلاث: وحدانية الألوهية، وقد دلت عليها بقوله تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هوَ) ووحدانية الخلق والتكوين فلا خالق مع الله تعالى، ولا إرادة تمنع إرادته، وقد دل على ذلك بأكثر ما في الآية الكريمة كقوله سبحانه: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وقوله تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) والشعبة الثالثة وحدانية الذات والصفات، بمعنى أنه لَا يشبهه شيء أو أحد من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. . .)، وقد أشار سبحانه إلى ذلك بقوله تعالى: (لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) وبقوله تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) تعالى الله رب العالمين علوا كبيرًا؛ تولانا سبحانه بعنايته وتوفيقه وهدايته.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>