للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والرابع: أنه خلق كرسيًا هو بين يدي العرش، دونه السماوات والأرض، وهو إلى العرش كأصغر شيء. وعن الحسن (الكرسي هو العرش).

وعندي أن أجود هذه الوجوه هو أن يكون كناية عن سعة الملك وسعة العلم، وهو المناسب لنسق الآية الكريمة، وهو تفسير ترجمان القرآن عبد الله بن عباس.

(وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) هذا وصف يدل على كمال قدرته، وعظيم حياطة خلقه، ومعنى (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) لَا يثقله ولا يتعبه حفظ السماوات والأرض وكلاءتهما، لأن ذاته العلية منزهة عن التعب، إذ هو من صفات الأجسام الحيوانية، والله سبحانه وتعالى منزه عن مشابهة الحوادث.

وأصل آدَ من الأود بمعنى العوج، فآده يؤده بمعنى عوجه بثقله وعبئه. وإن ذلك النص الكريم يدل على أن كل شيء في الكون في حفظ الله وحياطته؛ فالسماء بأفلاكها وطبقاتها وكواكبها، وكل ما فيها يسير على نظام محكم محفوظ بعناية بديع السماوات والأرض، والأرض وما عليها ومن عليها، وما فيها ظاهرًا وباطنًا، كل ذلك في حفظ الله خاضع لقوانينه التي سنها في خلقه، ولا شيء يكون فيها أو منها إلا بإرادته سبحانه (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ في عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبيرُ الْمُتَعَالِ).

(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) هذان هما الوصفان الشاملان لكل الأوصاف السابقة؛ فالله سبحانه هو العلي: علا بصفاته وذاته عن مشابهة المخلوقات، وعلا أيضا على خلقه بمعنى سيطر عليهم، وسيرهم، فالعلو يشمل معنيين:

أولهما: علو المنزلة والقدر، وذلك متحقق بتنزهه سبحانه عن مشابهة المخلوقين وأنه فوق كل موجود.

وثانيهما: علو السلطان؛ والقدرة - والقهر - ومن هذا الباب لغة (لا معنى لأنه يناسب المقام هنا) قوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا. . .). والله سبحانه غالب على كل شيء، قاهر كل شيء، وهو فوق عباده. هذا هو الوصف الأول. أما الوصف الثاني فهو عظم الذات العلية وصفاتها،

<<  <  ج: ص:  >  >>