للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروى في ذلك قول الحسن البصري: " الكرسي هو العرش " وقد اختار ذلك الوجه جمهور المفسرين.

الوجه الثاني: أن الكرسي في الآية كناية عن عظم السلطان ونفوذ القدرة وشمول الإرادة، فهو كقول بعض الناس: شمل كرسي الملك الفلاني ربع أقطار الأرض والمراد نفوذ سلطانه، وعظم دولته.

أو يكون الكرسي كناية عن عظم العلم وشموله واتساعه. وتفسيره بعظم السلطان يتناسب مع قوله تعالى بعد ذلك: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) وتفسيره بمعنى شمول العلم يتناسب مع قوله سبحانه قبل ذلك: (وَلا يحِيطُونَ بشَيْءٍ مِّنْ علْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) ولذلك يصح أن نقول إن قوله تعالى: (وسِعَ كُرْسِيُّه السًّمَوَاتِ وَالأرْضَ) كناية عن عظيم قدرته ونفوذ إرادته، وواسع علمه، وكمال إحاطته.

وإن ذلك الوجه قد ورد عن السلف، كما ورد الوجه الأول عن السلف؛ فقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: " كرسيه علمه " وروى مثل ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقد اختار ذلك المفسر السلفي ابن جرير الطبري.

وقد لخص الآراء ووجهها توجيها جيدًا الزمخشري في تفسيره، فقال: " وفى قوله وسع كرسيه أربعة أوجه:

أحدها: أن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته، وما هو إلا تصوير لعظمته، ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد كقوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ. . .). من غير تصور قبضة وطي ويمين، وإنما هو تصوير لعظمة شأنه وتمثيل حسي.

والثاني: وسع علمه، وسمي العلم كرسيًا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم.

والثالث: وسع ملكه، تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>