والعروة في أصل معناها اللغوي تطلق على ما يتعلق بالشيء من عراه أي ناحيته، فالعروة من الدلو والكوز المقبض، ومن الثوب مدخل الزر؛ وتطلق العروة أيضا على الشجر الملتف الذي تأكل منه الدواب حيث لَا كلأ ولا نبات.
والوثقى مؤنث الأوثق، وهو الشيء المحكم الموثق، وتطلق كلمة الموثق أيضا على الشجر الذي يتجه إليه الناس عندما ينقطع الكلأ. والانفصام الانكسار، وهو مطاوع فصم بمعنى كسر؛ وإنما تكون المطاوعة حيث يحتاج الفصم إلى معالجة، أي أن الشيء المفصوم يكون قويا، بحيث يعالج الشخص كسره حتى ينكسر بعد طول المحاولة وعلى ذلك فالعروة الوثقى في الآية إما أن تخرج على أنها الحبل الموثق الشديد الأسر الذي يربط بين شيئين، ويكون المعنى: من آمن بالله وكفر بالطاغوت فقد استمسك، أي أمسك بقوة وشدة طالبًا العصمة بحبل موصول موثق قوى لا انفصام له. وقد تخرج العروة على أنها الشجر الذي لَا يوجد سواه للمرعى والغذاء، فيكون من كفر بالطاغوت وآمن بالله فقد اتجه وأخذ الجانب المفيد المربى المغذى وترك الجدب الذي لَا يجدي. وقد مال الزمخشري إلى التخريج الأول، وهو عندي أوضح وأشهر.
والاستمساك كما أشرنا هو الإمساك المطلوب المستقر؛ لأن السين والتاء تدل على الطلب، والطلب هنا يفسر بأنه هجر الطاغوت طلبًا للاعتصام بهذا الجانب القوي الذي لايضل من طلبه، ويصل إليه من اعتمد عليه ولم يطلب سواه. وقد ذكر الزمخشري في تفسيره أن هذا التعبير الكريم كله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا) فيه تمثيل وتصوير للمعاني السامية بالأشياء المحسوسة فقال: (هذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصوره السامع كأنما ينظر إليه بعينه، فيحكم اعتقاده والتيقن به).
هذه هداية الله سبحانه وتعالى، لَا يكره أحد عليها، ولكن يدعى الناس إليها بالبينات الواضحة التي يتميز بها الخير من الشر، والحق من الباطل، والنور من