الظلام، وبعد ذلك " يكون الأمر لله تعالي، ولقد ذيل سبحانه الآية بقوله تعالي (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وفي هذا إشارة إلى أمرين جليلين:
أولهما: رقابة الله سبحانه وتعالى في الدنيا رقابة العليم الخبير، فهو يعلم علم من يسمع همسات القلوب، وخلجات الأنفس، وهو وحده المتصف بالعلم المطلق الذي لَا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا في الأنفس؛ وإذا كان المؤمن يحس برقابة الله تعالى المطلقة فإنه يتجافى عن المعاصي، ويبتعد عنها استحياء من الله، فقوة الإحساس بعلم الله ترهف وجدان المؤمن وهذا مقام الإحسان كما في الحديث الشريف " اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " (١).
الأمر الثاني: التنبيه إلى ما يترتب على العلم من الرضوان والثواب المقيم الدائم لمن أطاع الله وطلب رضاه، والعذاب الأليم وغضب الله لمن عصاه سبحانه.
هذه الآية الكريمة واضحة كما قررنا في حقيقتين ثابتتين:
إحداهما: أن التدين لَا يكون مع الإكراه، لأن الإكراه ينافي الاختيار الحر، والتدين طلب الحق والأخذ به في حرية واختيار لَا تشوبهما شائبة.
الحقيقة الثانية: أن الله سبحانه وتعالى ينهى عن الإكراه في الدين، وحمل الناس عليه بقوة السيف حتى لَا يكثر النفاق والمنافقون. وكثرة المنافقين، وإن كثر عدد المسلمين في الظاهر، تفسد جماعتهم في الحقيقة والواقع.
ولكن مع هذا الحق السائغ، والنور المبين، وجدنا الكثيرين يدَّعون أن هذه الآية منسوخة، وادعوا أن الذي نسخها قوله تعالى في آيات كثيرة من آيات الجهاد ما يدل على القتال، حتى يكون الإسلام مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ
(١) جزء من حديث جبريل الشهير، متفق عليه؛ من رواية البخاري (٤٨)، ومسلم (١٠): كتاب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه.