للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والظلمات جمع ظلمة، والمراد بها هنا الضلالة؛ ففي الكلام مجاز؛ لأن المفاسد التي ينشرها الطغيان تظلم بها النفس وتكون في حيرة، وتنقطع عن سبيل الهداية؛ والنور هو الهدى؛ لأن الهدى يكشف عن ينابيع الحق والخير في النفس، وهو سلوك الطريق الموصل إلى ما يسعد الإنسان في الفانية والباقية فهو كالمصباح للمؤمن به يهتدي، وبه يصل إلى الغاية. والمعنى للجملة السامية: الله سبحانه جل جلاله الذي ليس فوقه شيء وهو القاهر فوق كل شيء هو ولي الذين آمنوا أي ناصرهم يأخذ بأيديهم من ضلالات الشرك والأوهام والشهوات، والذلة والاستعباد، إلى نور الحق والهداية والتحرر من الأوهام ومن الذلة، والاستقامة نحو العزة. فهذه الجملة تتضمن ثلاثة أمور:

أولها: نصرة الله القوي القادر، فلا يصح لمؤمن أن يضعف أمام جبروت الملوك الطغاة أو الجبابرة العتاة، أو الكبراء المضلين.

وثانيها: أن الله سبحانه وتعالى هو المسيطر على النفوس يوجه القلوب المؤمنة إلى الحق فيلوح لها نوره، وتشرق فيها حججه.

وثالثها: أن الذين يفيض الله عليهم بهذا النور ويؤيدهم بنصره هم الذين ارتضوا الحق بإرادتهم المختارة، ورفضوا طغيان الكبراء والجبابرة، وقاوموا نزغات الشيطان؛ فإن هؤلاء هم الذين ينصرهم رب العالمين، ويهديهم بنوره.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) المؤمنون يوجه قلوبهم رب العالمين، وينصرهم بقدرته، ويعتزون بعزته، وهو رب العزة، له الكبرياء في السماوات وفي الأرض، وهو العلي العظيم؛ أما الذين كفروا فالطاغوت أي الطغيان بكل أنواعه من جبابرة متحكمين، وكبراء مضلين، وأوهام مستحكمة، وضلالات مسيطرة، هو الذي ينصرهم ويسيطر على قلوبهم؛ والسبب في ذلك أنهم جعلوا الكفر وستر الفطرة هو الذي يتحكم في قلوبهم، فهم اختاروا تلك الأوهام المضلة، وولاية الجبابرة المذلة، واتباع الكبراء المردي، ففتحوا بسبب ذلك قلوبهم للضلالة تدخل فيها جزءًا جزءًا حتى أظلمت وبعدت عن نور الفطرة، وغلقت عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>