للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبواب الحق، فلا يدخلها إلا ضلال، وكأن للقلب بابين: بابًا للنور، وبابًا للضلال؛ فإن أركست النفس في الشهوات، فإن باب الضلالة يتسع ويضيق باب الحق حتى يغلق فلا يدخل النور إليها.

وفى الجملة الكريمة السامية إشارات بيانية يجب التنبيه إليها:

أولها: أن الله سبحانه وتعالى قال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) ففي التعبير بالذين كفروا إشارة بيانية إلى أنهم هم الذين ارتضوا أن يجعلوا الطغيان متحكمًا في قلوبهم، إذ كفرهم واستيلاء الشهوات على نفوسهم هو الذي سهل استمراء ولاية الطاغوت عليهم، وتحكمه فيهم، وسيطرته على نفوسهم، وحيث كانت الشهوات مستحكمة فللأوهام سلطان، وللجبابرة سلطان، وللكبراء المضلين مكان.

والثانية: أنه أفرد الطاغوت، وجمع الأولياء، ففي ذلك إشارة بيانية إلى أن الطاغوت مهما تتعدد ضروبه، وأشكاله ومظاهر سلطانه، فهو نوع واحد، أساسه أن يتحكم الوهم والهوى والذل والضعف في النفس ولكن مع ذلك يتعدد سلطانه، فهو مرة يظهر في مظهر ذي سلطان متجبر تخضع الرقاب لطغيانه لتحكم الذلة أو الشهوة الردية في نفوس الذين يتحكم فيهم، ومرة يظهر سلطان الطاغوت في دعوة إلى الباطل زخرفها تمويه داعية مضل، وأحيانا تكون في أوهام مسيطرة على الجماعة تجعلها تعبد حجرًا أصم لَا يسمع ولا يبصر، وعلى ذلك يكون الطاغوت واحدًا؛ لأنه ضلال كيفما كان، ولكن لتعدد مظاهر سلطانه تعددت ولاياته وكلها لَا قوة لها أمام قوة الله سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا.

والثالثة من الإشارات البيانية: ما تضمنه قوله تعالى: (يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) أي الضلالات الردية المختلفة الأنواع، فإن في ذلك إشارة إلى أن الفطرة في أصلها نور، ففي الفطرة الإنسانية نور الحق ووجدان الهداية، والإيمان الفطري، حتى يكون الضلال إذ تتحكم الاهواء والأوهام وتستخذي النفوس، فكل

<<  <  ج: ص:  >  >>