للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجد ذلك الذي مر على هذه القرية العظيمة الخراب قد خيم عليها وذهب كل ما فيها ومن فيها من الأحياء وبقيت الرسوم والآثار تعلن عمن عفت عليه الديار فهاله الأمر وتذكر الفناء وما بعد هذه الدنيا، ثم انبعث إيمانه باليوم الآخر، ولكن كان بين حقيقتين ثابتتين: إيمان صادق باليوم الآخر والبعث والنشور وذلك الفناء المحسوس الذي تحللت فيه أجزاء الإنسان فقال: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْد مَوْتِهَا) أي كيف يحيي هذه القرية التي فنيت وخربت بعد موتها و " أنى " تكون بمعنى " من أين "، وتكون بمعنى " كيف "، وهي هنا بمعنى " كيف ".

ويلاحظ أن التساؤل عن كيفية الإعادة لَا عن أصل الإعادة فهو مؤمن بها صادق الإيمان لكنه مأسور بالحس والعيان وكأن سلطان الحس هو الذي دفعه إلى ذلك التساؤل. وفي العبارة ما يدل على ذلك فالتعبير بالإشارة " هذه " فيه إشارة إلى تلك الحال الحسية الثابتة التي استولت على حسه وهي تلك القرية الخربة. وقد قدمها على لفظ الجلالة فقال: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) لأن السبب في التساؤل تلك ألحال الحسية التي هو عليها.

وموت القرية هو موت السكان فهو من قبيل إطلاق المحل وإرادة الحال، وكذلك الحياة فليست الحياة هي حياة البناء والجدران؛ لأنه لَا حياة لهما إنما الإحياء يكون لمن كانوا يسكنون البناء والجدران، سأل ذلك المار عن كيفية الإحياء وهو سر القدرة الإلهية لَا يعلمه أحد من عباده ولكن يرون آثاره، ولقد أجاب سبحانه ذلك السائل عن الكيفية بالحال العملية.

(فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) أمات الله سبحانه وتعالى ذلك السائل عن الكيفية واستمر ميتا مائة عام ثم بعثه أي أثاره بالحياة (قَالَ كَمْ لَبثْتَ) أي مكثت في هذاه الحال، والقائل هاتف نفسي أو ملك ناداه أو قاله الله سبحانه وحيًا إذا كان ذلك السائل نبيا، والأقرب إلى خاطري هو أن يكون المتكلم عن الله إما ملك من السماء أو وحي أوحاه الله رب العالمين إليه. سأله كم مدة من الزمان مكثتها؟ فأجاب بإحساسه الذي أحسه وهو أنه ظن أنه كان نائما قد

<<  <  ج: ص:  >  >>