للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استيقظ من نوم طويل (لَبثْتُ يَوْمًا)، أي مكثت في نومي هذا يوما ولكنه رأى الشمس لم تغب فقال: (أَوْ بَعْضَ يوْمٍ) هذا مظهر حسي قد تصور فيه الشخص الذي أماته الله أنه كان نائمًا ثم استيقظ، وفي ذلك تصوير للإنسان بأن الموت يشبه النوم والبعث يشبه اليقظة بعد النوم، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في جمع قريش عندما دعاهم دعوة الحق: " والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وإنها للجنة أبدا أو للنار أبدا " (١). (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ) أجابه الله سبحانه وتعالى بهاتف نفسي وجه نظره إلى ما حوله، أو بملك أرسله أو بوحي أوحى به إليه على ما بينا في الجملة السامية السابقة. أثبت سبحانه وتعالى أنه لبث مائة عام ووجه نظره إلى آيتين تثبتان قدرة الله تعالى:

إحداهما: إنه لم يتغير الطعام والشراب بل بقي كما هو على مر السنين وهذا معنى قوله تعالى: (لَمْ يَتَسَنَّهْ) وكان الضمير للواحد مع أنهما طعام وشراب؛ لأنهما في معناهما ومقصدهما الحاجة منهما شيء واحد.

الآية الثانية: الحمار وكيف بلى وتحلل وتفتت ولم يبق منه شيء، وهذا يدل على مر السنين وكر الأعوام. ويتجه بعض المفسرين إلى أن الحمار كان قائما كالطعام والشراب وأنه لم يتغير، ويؤيدون اتجاههم بأن السياق يدل على ذلك لأنه معطوف على الطعام والشراب، والفعل محذوف في المعطوف لدلالة المعطوف عليه. ويرى بعضهم أن المراد انظر إلى حمارك وقد صار عظاما بالية ثم رد إليه سبحانه وتعالى الحياة وقد اتخذوا من قوله بعد ذلك: (وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) قرينة على ذلك.

وعندي أن الأقرب هو التخريج الأول؛ ولذلك أمر سبحانه وتعالى بالنظر إلى الطعام والشراب وحدهما ثم أمر بالنظر إلى الحمار وحده فكان هذا يشعر بالتقابل


(١) تاريخ إبن عساكر جـ ٦ ص ٣٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>