(قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي إذا كنت مُصِرَّا على طلبك فخذ أربعة من الطير. فالفاء هنا فاء الإفصاح التي تفصح عن شرط مقدر. ومعنى (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي فضمهن إليك، أو أملهن أو حوِّلهن إليك، والضمير يعود على الطير، لأن كلمة الطير في معناه جمع لما لَا يعقل، وجمع ما لَا يعقل يصح عود الضمير عليه بصيغة ضمير جماعة الإناث، وقد كانت عودة الضمير بتلك الصيغة دالة على معنى الجماعة وعموم ضم الطير واحدة واحدة، وإنما كانت الطير موضع تجربة لأنها لَا تستأنس بالإنسان وتطير عند مجرد رؤيته، فتحويلهن إليه بيسر لا يكون إلا بتأليف من الله العلي الخبير.
وأن تحويل الطير إليه لتجري تلك التجربة الربانية، وهي أن يجعل على كل جبل منهن جزءا ثم يدعوهن يأتين إبراهيم سعيًا، ولذا قال سبحانه:
(ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا) أمر الله إبراهيم بأن يجعل أي يضع على كل جبل أي كل جزء مرتفع من الأرض جزءا وأن يدعوهن بعد ذلك يأتينه سعيا.
وجمهور المفسرين يقول في تفسير هذه الجملة السامية: أن الله سبحانه وتعالى أمر إبراهيم خليله أن يجري هذه التجربة، بأن يذبح تلك الطيور ويقطع أجزاءها ويضع على كل مرتفع من الأرض جزءا من تلك الأشلاء المتقطعة، ثم يدعوها فتكون طيرًا بإذن الله ويجيء إليه سعيًا، وعلى هذا النحو يكون ذلك العمل الحسي تقريبًا لمعنى الإحياء وإن لم يكن بيانا كاملا للكيفية، لأن الكيفية عند الله العليم الخبير علمها، ويكون ذلك إظهارا للإحياء بمظهر حسي وإن لم يكن فيه بيان الكيفية.
هذا نظر جمهور المفسرين، ولقد قال أبو مسلم الأصفهاني إن الآية ليس فيها ما يدل على أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد ذبح الطير وقطع أجزاءها، إنما الذي فيها أنه حولها إليه ووضع جزءا على كل مرتفع من الأرض، وعلى هذا يكون المعنى أن إبراهيم عليه السلام طلب منه رب البرية أن يحول جمعا من الطير إليه