للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجعل على كل مرتفع من الأرض طائفة من هذا الطير ثم يدعو هذه الطوائف يأتينه سعيا، وفي هذا توجيه لإبراهيم عليه السلام إلى أن الله سبحانه وتعالى يؤلف كل شيء ولو كان متنافرا ويجمع كل جزء ولو كان بعيدا، كما دعوت الطير التي لا تجيب إنسانا وتنفر منه فأجابتك بقدرة العلي الحكيم الذي يؤلف بين المتنافرات، فإن كان ثمة استغراب من أن الحياة تقتضي أن يجمع الله سبحانه وتعالى أجزاء متناثرة قد تحللت وتجزأت إلى أجزاء بل جزيئات، فها أنت ذا ترى تلك النفرة التي بين الإنسان والطير تزول، تدعوها فتستجيب وهي من شأنها النفور، وكذلك يؤلف الله بين الأجزاء المتناثرة، فيجعل منها ذلك الحي الذي كان من قبل ثم إن في تلك التجربة تصويرًا دقيقًا، وهو أن إعادة الله تعالى للأشياء لَا تكون إلا بقوله تعالى كن فيكون، كما يقول خليل الله إبراهيم للطير وقد تفرقت: أقبِلي فَتُقْبِل.

هذان هما التفسيران للآية، ونرى أن رأي الجمهور يتجه إلى تحقيق معجزة تجري على يد إبراهيم عليه السلام وهي إحياء الموتى بالحس المعاين وإن لم تعلم الكيفية، كما جرى بالحس المعاين إماتة الرجل مائة عام ثم إحياؤه، ويكون من مقتضى التناسق بين الآيتين أن تكون في هذه الآية معجزة الإحياء بعد تقطيع الأجزاء، فالمقام كله يتجه بنا إلى الإعجاز بإحياء الميت بمرأى العين، وتكون العبرة في القصة هي أنه يريه الحقيقة واضحة جلية، ورؤيتها تغني عن البحث في كيفيتها وإنا نميل لهذا الرأي.

أما رأى أبي مسلم فهو مبني على الألفاظ من غير أن يرمي بنظره قليلا إلى الآية التي سبقت ذلك من الإماتة مائة عام ثم الإحياء بعد ذلك، وهو نظر إلى أن الكيفية لَا يمكن أن تعلم للإنسان، وإنما أقصى ما يعلمه هو أثر القدرة لَا كيفيتها وأنه صور للإنسان الإعادة بقوله سبحانه وتعالى: (كن فَيَكُونُ)، وأنها تكون كقول إبراهيم للطير: أقبلن أيها النافرات فيقبلن.

وقد ذيل سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله تعالت كلماته: (وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عزِيزٌ حَكِيمٌ) وكان ذلك التذييل الكريم للدلالة على ثلاثة أمور:

<<  <  ج: ص:  >  >>