لم يكن في حسبانه، فثوب الرياء يشف دائما عما تحته، وإن لم يكشفه فإن الله كاشفه.
هذا الكلام يدل على أن التشبيه منعقد بين المرائي والحجر الأملس الذي عليه قدر رقيق من التراب ستر حاله؛ ولكن كثيرين يجعلون التشبيه بين المنفق المنان والحجر الصلد، ويكون المعنى على ذلك أن حال المنان في نفقته التي يبطلها بالمن والأذى، كحال الحجر الأملس الذي عليه تراب كان يرجى أن يكون منتجًا منبتًا للزرع فيصيبه وابل يزيل التراب الذي عليه، فيزول سبب إنتاجه، ومادة الخصب فيه؛ فالمن والأذى في إبطالهما الصدقات التي من شأنها أن تأتي بالثواب ورضا رب العالمين، كالوابل الذي يزيل الصعيد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه، من حيثما كان من شأنه أن ينتج الثواب، فأزال ذلك بمنه وأذاه.
وإني أرجح الأول، لأن التشبيه بلفظ المفرد، وهو يناسب الذي ينفق ماله رئاء الناس؛ لأنه بلفظ المفرد، والمنفق منا وأذى ذكر بلفظ الجمع، فالضمير في قوله تعالى:(فَمَثَلُهُ) أولى بأن يعود على المرائي لإفرادهما، ولأن الآيات التالية تبين حال المنفق ابتغاء مرضاة الله، وفيها تشبيه صدقتهم بالحبة التي تكون في أرض خصبة، وإن هذه مقابلة ظاهرة بين المنفق رياء، والمنفق ابتغاء مرضاة الله، فكان الأظهر إذن أن يكون التشبيه في هذه الآية بين الإنفاق رياء والحجر الأملس.
(لَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا) جمهور المفسرين على أن هذه الجملة السامية للدلالة على أن المنان والمرائي كلاهما لَا ثواب له، فالمعنى لَا يقدرون، أي لا ينالون شيئًا من المال الذي أرادوا بإنفاقه كسب الثواب، ولكن كيف يعبر عن نيل الثواب بالقدرة عليه، وعن الإنفاق بالكسب؟ وقد يجاب عن ذلك بأنهم إذا أنفقوا فقد صاروا قادرين على الثواب، وعلى كسبه بمقتضى ما وعد الله به عباده المتقين، فإذا مَنُّوا وآذوا في نفقته، فقد انتفت عنهم تلك القدرة على ثواب هذا الذي أنفقوا وقد كان من شأنه أن يكون كسبًا لهم.