الخفي، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك "(١).
ولهذا الفارق الجوهري بيَّن المنفق المنان، والمنفق رئاء الناس، ذكر الله عمل الأول بأنه صدقة، فقال سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى) ولم يصف عمل الثاني بأنه صدقة، ولا في سبيل الله، ولذا قال سبحانه:(كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ) فما الصدقة ابتغاها ولا الخير أراده، بل الشر كل الشر ما عمله.
(فَمَثَلًهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُون عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا) هذا تشبيه جديد، وقبل أن نذكر التشبيه ووجه الشبه نذكر معنى هذه الألفاظ: صفوان، وصلد، ووابل: فالصفوان اسم جنس جمعي لصفوانة، كشجر وشجرة، وهو الحجر الأملس. وقال الأخفش: إن صفوان مفرد كحجر. والصلد معناه الأجرد النقي؛ وقد قال الكسائي فيه: إنه من صَلِدَ يَصْلَدُ صَلَدًا، وهو ما لا ينبت شيئًا، وقد قال النقَّاش: الأصلد الأجرد الذي لَا ينبت شيئًا. والوابل هو المطر الشديد، وقد وَبَلَت السماء تبل، والأرض موبولة.
والآن نذكر المشبه به في الآية الكريمة؛ ويبدو بادي الرأي، أن التشبيه بين الذي ينفق ماله للرياء والحجر الصفوان الأملس الذي يكون على ظاهره قليل من التراب الذي يبدو به خصبًا، ووجه الشبه هو ظاهر الخصب الذي يبدو على ظاهر الحجر، ثم انكشافه بمطر وابل، وظهور حقيقته، وهو أنه لَا يمكن أن يكون منبتًا؛ فالمعنى أن حال من ينفق للرياء والظهور بمظهر البر المعطي وهو لَا يقصد وجه الله تعالى ولا يبتغي رضاه بل ينفق ليرائي الناس، هي كحال حجر أملس لَا ينتج شيئًا ولا ينبت نباتًا ولكن عليه ظاهر من التراب يوهم الناظر إليه أنه خصب منتج، ثم تتبين حاله بمطر يزيل ما ستره ويكشف حاله، فالمرائي لَا إنتاج لعمله مطلقًا كالحجر، وإن كان يبدو للناس بَرا فإن ذلك لَا يلبث أن ينكشف، وتظهر حاله بأمر