للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الناحية الثانية: أن التشبيه الأول فيه تشبيه من يبتغي بعمله مرضاة الله، وينقي ضميره وقلبه من كل رياء ونفاق، بالحديقة الغناء المثمرة القائمة على ربوة من الأرض خصبة منتجة؛ أما هنا فالتشبيه هو تشبيه من ينقض عمل الخير الذي يعمله برياء يحبطه، أو مَنٍّ وأذى، أو مباهاة ومفاخرة ببرِّه بين الناس، بمن كانت له حديقة فيها نخيل وأعناب، وأنهار تجري فيها مع الثمرات وقد أصابه الكبر، وله ذرية ضعفاء، وتكون عونًا لهم بعد وفاته فأصابتها رياح شديدة فيها نار فاحترقت.

ولم يذكر في هذه الآية المشبه ولا أداة التشبيه كما نوهنا، بل ذكر المشبه به فقط، فعلينا أن نتكلم في مفردات المشبه به ومعانيها، ثم نتعرف المشبه ووجه الشبه، ومغزى هذا التشبيه السامي الكريم.

والود في قوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) معناه محبة الشيء مع تمنيه؛ ولذلك يتستعمل في مقام التمني. والنخيل اسم جمع النخل، والأعناب جمع عنب، وهو ثمرة الكروم، وقد جاء في تفسير المنار في السبب في ذكر النخيل دون ثمرتها وهو التمر، بينما ذكر العنب وهو ثمر الكروم وقالوا في تعليل ذلك: (إن كل شيء في النخيل نافع للناس في إنفاقهم: ورقه وجذوعه وأليافه وعثاكيله (١)، فمنه يتخذون القفف والزنابيل والحبال والعروش والسقوف وغير ذلك) (٢). والإعصار ريح عاصفة تستدير في الأرض ثم تنعكس منها صاعدة إلى السماء على هيئة العمود، وقيل: الإعصار ريح تثير سحابًا ذا رعد وبرق، وسميت إعصارًا لأنها تلتف كالثوب، أو لأنها تكون سببًا في نزول المطر، فكأنها تعصر السحاب، فتنزل ما يحمل من ماء، ولذا فسرت المعصرات في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (١٤).

بأنها السحاب، لأنها تحصر بالإعصار ذلك العصر. والنار التي تكون في الإعصار هي البرق الذي يتسبب عن اصطدام السحاب بتحريك ذلك الإعصار، أو


(١) العثاكيل: جمع العِثكالُ: العذْق من أعْذاق النخل الذي يكون فيه الرطَب [لسان العرب: العين - عثكل].
(٢) تفسير المنار جـ ٣ ص ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>