للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن السحاب مع هذه القوة الشديدة التي يتحرك بها هو أيضا حامل لنار إذا أصابت شيئا أحرقته.

هذه مفردات المشبه به ومعانيها، والاستفهام في قوله تعالى: (أَيوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّة) هو للإنكار، وهو لإنكار الوقوع أي بمعنى النفي، والمعنى لَا يود أحدكم أن يكون له جنة. . إلخ، ومجيء النفي على صيغة الاستفهام على ذلك النحو، لتأكيد النفي، وبيان أن الأمر في ذاته غير معقول، بحيث لو سئل عنه أي عاقل لأجاب بنفيه؛ لأن النفي مجمع عليه من كل العقلاء.

وخلاصة القول: إنه لَا يود أحد أن تكون له جنة فيها نخيل وعنب، وفيها من كل الثمرات غير النخيل والعنب - وكان النص عليهما لأنهما فاكهة العرب - وإنها مع هذه الثمرات الطيبة ذات منظر بهيج، فالأنهار تجري من تحتها فتمدها بالخصب، كما تسر الناظرين، قد احتازها وقد أصابه الكبر، وله ذرية ضعفاء من ذكور وإناث يحتاجون إلى مال من بعده يسد عوزهم، ويقيم أودهم، ومع هذا الأمل المدخر في هذه الحديقة أصابتها ريح شديدة فيها نار فاحترقت بنارها؛ لَا يود أحد ذلك أبدًا، وهو شر يتوقاه ويدعو الله سبحانه وتعالى أن يجنبه إياه.

هذا هو المشبه به فما هو المشبه؛ إنه يفهم من سياق القول من سعابقه ولاحقه؛ وهو العمل الطيب المنتج الذي يكون مدخر الرجل في حياته الآخرة، كما كانت الحديقة مدخرة لذريته في كبره، وهم امتداد حياته وفيهم بقاؤه بعد مماته، وإنه في هذه الحياة الدنيا الفانية الوشيكة الزوال كمن أصابه الكبر وله ذرية ضعاف تحتاج إلى مدخره بعد مماته، فهو محتاج إلى مدخره من الأعمال الصالحة بعد وفاته لتكون ذخره وثروته في الحياة الباقية بعد هذه الفانية، وإنه إذا أبطل ذلك العمل برياء يحبطه، أو مَنٍّ أو أذى أو مباهاة أو فخر، يكون كمن يرضى بأن تحترق جنته في كبره بريح عاتية تأكل الأخضر واليابس ولا تبقي من المدخر لذريته في القابل قليلا.

هذا هو المشبه المستنبط الذي تدل عليه الآيات السابقة واللاحقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>