للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنسل، ويذهب بالثروة المثرية في وقت هو أشد ما يكون حاجة إليه في قابل حياته، ولذريته بعد مماته.

وإنه يرشح لهذا المعنى قوله تعالى: (يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذي) كما يرشح له كل التشبيهات السابقة.

وإن وجه الشبه على هذا هو أن في الحالين إبطالا لأمر جوهري في الحياة له نفاسة في ذاته، وله نفع في الحاضر والقابل، يذهبه أمر عارض مزيل لَا يبقى بعده شيئًا مفيدًا، فكما أن الحديقة الغناء ذات النفع في الحاضر والقابل للحاضر ومن يخلفهم يذهب بها الإعصار الشديد المحرق، فكذلك النفاق والرياء والمن والأذي والتطاول على الناس بفعل الخير يفسد عمل الخير الذي هو ثروة معنوية لفاعله في حاضره ومستقبله، وفيه رضوان الله وعزته، فهل يود مؤمن أن تكون حاله كحال من يصيب الإعصار ثروته في كبره، فيمد يده إلى الناس شيخًا هرمًا فانيا، ويترك أولاده كلًّا على الناس من بعده؛ لَا يود مؤمن ذلك فلا يصح أن يمكن الرياء من نفسه والاستطالة والمباهاة والمنَّ والأذى من لسانه، فيكون ذلك إعصارًا شديدًا يذهبط بعمله.

وفى هذا التشبيه فوائد كثيرة:

أولها: الإشارة إلى أن هذه الحياة الدنيا مهما طالت فهي متاع قليل، وعلى المؤمن أن ينتفع بكل لحظة بعمل الخير يحتسبه عند ربه، كالرجل الذي يكون في شيخوخة فانية فعليه أن يتوقع الموت دائمًا كما يتوقع صاحب هذه الشيخوخة، وعليه أن يعمل الخير عمل من يخشى الفوت، وقد قرب منه الموت.

ثانيها: أن الرياء والمباهاة والاستطالة بعمل الخير تذهب به بل تحرقه، كما يحرق الإعصار الحديقة الغناء.

ثالثها: أن عمل الخير ينمو ويربو وينتج كالحديقة الغناء التي فيها من كل الثمرات والمياه تجري من تحت أغراسها والشمس تمد ثمارها، فتؤتي أكلها بإذن ربها، فهي في نماء مستمر دائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>