للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رابعها: أن من مطالب الحياة التي يقرها الدين أن يحرص الرجل على أن يترك لأولاده إذا كانوا ذرية ضعافًا، فضلا من المال يستعينون به في شدائد الحياة، ولا يكونون كلًّا على الناس، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن مالك (١) في مرض كان يتوقع الموت منه، وقد أراد أن يتصدق بماله كله فنهاه وأقره على التصدق بالثلث: " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " (٢).

هذه بعض إشارات الآية الكريمة وإنها لتشع منها معان سامية متعددة كما يشع

الثمر الجيد من الغصن المثمر، تعالت كلمات الله العليم الحكيم.

ومن أجل هذه المعاني السامية المنبعثة من ذلك النص الكريم المفهومة من عباراته أو إشارته، دعا سبحانه إلى التفكير فيها وتدبرها مع غيرها، فقال عز من قائل:

(كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) هذا ختام هذه الآية الكريمة، والآيات المقصودة هنا هي الآيات القرآنية، والمراد من التفكر هو التدبر والتأمل وتعرف مرامي العبارات القريبة والبعيدة، والتفكر في عواقب الاعمال ونتائجها، وفى أسبابها وغاياتها. والتشبيه في قوله تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) فيه تشبيه الكلي العام من بيان الله سبحانه وتعالى في كل آياته، بهذه الصورة الجزئية التي رأيناها في تلك التشبيهات الرائعة وذلك السياق المحكم، وتلك المعاني الجلية التي يتدبرها المتدبر، فتجلى له معان كريمة سامية كلما أعمل فكره وتفكر وقدر، ومثل ذلك كما يجري في عباراتنا - ولكلام الله المثل الأعلى - أن يقول عندما يعمل عملا جيدًا يعمله فيستحسن، فيقول: كذلك أعمل دائمًا، أي كهذا العمل الذي استحسنتموه كل عمل. ومعنى التشبيه في الآية الكريمة على هذا يكون هكذا: كهذا البيان الجلي الرائع الذي بدا في هذا المثل المحكم بيان الله الكلي لكل آياته في كتابه الحكيم.


(١) هو سعد بن أبي وقاص بن مالك بن أهيب بن عبد منات، الزهري القرشي، كنيته أبو إسحاق، ولقبه: فارس الإسلام، صحابي جليل، أقام بالكوفة، وتوفى بالمدينة ٥٥ هـ.
(٢) رواه البخاري: الوصايا - أن يترك ورثته أغنياء (٢٥٣٧)، ومسلم: الوصية - الوصية بالثلث (٣٠٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>