للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفى هذا الكلام عبر سبحانه عن التهديد بوعد، وهو المشهور في لغة القرآن، وقد تستعمل أوعد في الشر والخير معًا، وإن كل بخيل تحدثه نفسه بخوف الفقر عند الإنفاق، وهذا الحديث هو حديث الشيطان؛ ولذا قيل: الناس من خوف الفقر في فقر. (وَيَأمُرُكم بِالْفَحْشَاءِ) أي يغري نفس المؤمن بالفحشاء، ويستمر في إغرائها حتى تطيعه وتخضع خضوع المأمور للآمر. والفحشاء قال بعض العلماء: إن المراد بها المعاصي التي تردي النفس الإنسانية، من مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر؛ واقترانها بالوعد من الشيطان بالفقر، ليدفع الإنسان تلك الوسوسة عن نفسه " وبذلك يشير المولى الحكيم إلى أن وسوسة الشيطان للإنسان بتخويفه بالفقر هي من قبيل وسوسته بالفحشاء والمعاصي المنكرة القبيحة، وإن الممتنع عن الإنفاق في موطنه كمن يرتكب أفحش الفواحش، وينتهك الحرمات، لأنَّ امتناعه عن العطاء وقت لزومه يؤدي إلى انتهاك الحرمات، وارتكاب المعاصي؛ إذ ينقلب الفقير هادمًا مخربًا، فترتكب أبلغ المحرمات إيغالا في الشر، وقد يكون في ترك الإنفاق تعريض البلاد للخراب والدمار، وفي ذلك نشر للفساد، وتعريض البلاد لأن تنتهك فيها الحرمات، وترتكب فيها أشنع الموبقات، وهل بعد الذلة خير يرتجى وشر يدفع؟

هذا قول بعض العلماء في معنى الفحشاء هنا وتوجيهه، وهو تفسير للكلمة بمعناها الشائع في استعمال القرآن الكريم، وقد فسر الزمخشري هنا الفحشاء بالبخل الشديد؛ فإن كلمة الفاحش تطلق في لغة العرب على البخيل الشديد البخل، ومن ذلك قول طَرَفَةَ بن العبد: أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد (١) فالفاحش هنا المراد به البخيل.

ويكون توجيه الكلام على هذا المعنى، أن الشيطان يوسوس في نفس الغني، يخوِّفه بالفقر، حتى إذا استمكن من نفسه وسيطر عليها في هذا وجَّهه إلى طريق


(١) قال المصنف رحمه الله تعالى: اعتام معناها اختار أحسن المال، والعقيلة أكرم المال، والفاحش البخيل، ومعنى البيت أرى الموت يختار الكرام ويختار خيار مال البخيل، فلا جدوى في البخل.

<<  <  ج: ص:  >  >>