للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البخل الشديد فاتجه وأطاعه كما يطيع المأمور الآمر، ويصير سَيِّقَة في يده يسوقه حيث يشاء.

ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، ثُمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ} الآية (١).

هذه وسوسة الشيطان، وتلك خاطرة النفسِ الملكية، وقد ذكر سبحانه أمره في مقابل وسوسة الشيطان فقال: (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا).

صدَّر سبحانه القول بلفظ الجلالة للإشارة إلى أن الوعد الذي وعد به المنفقين وعد حق، لَا يمكن أن يجيء الشك في صدقه؛ لأنه وعد الله ذي الجلال والإكرام المعبود بحق، الذي لَا يستحق العبادة سواه سبحانه وتعالى عن الشريك والمثيل، وإذا كان الشيطان يهدد بالفقر عند العطاء، فالولي تعالت حكمته يعد المنفق بأمرين: أولهما المغفرة، وثانيهما الفضل، وهو الزيادة في الدنيا والآخرة.

فأما المغفرة، فلأن الصدقة التي يقصد بها وجه الله تعالى لَا لأحد سواه، وليس فيها رياء ولا نفاق، ولم يعقبها مَنٌّ ولا أذى، تدل على نفس صافية خالصة مخلصة، متجهة إلى الله تعالى منصرفة، فإن كان منها في ماضيها ما يؤاخذ المرء عليه، فإن الله تعالى يغفر له، ويتوب عليه، ولقد قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ... )، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " الصدقة تطفئ الخطيئة " (٢) ولأن النفس تكون صافية إذا كانت الصدقة على هذا الوجه، قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا. . .)، فالصدقة التي تؤدى ابتغاء وجه الله تعالى تطهر النفس كما تطهر المال، وتوجه النفس نحو الخير، كما تنمي المال.


(١) رواه الترمذي: تفسير سورة البقرة (٢٩١٤).
(٢) جزء من حديث رواه الترمذي: الإيمان (٢٥٤١) وأحمد في مسنده عن معاذ (٢١١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>