للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهذين الخبرين يتبين أن هذه الآية الكريمة نزلت لبيان أن الصدقة تسوغ على غير المسلم، بل تجب إذا كان غير المسلم في حاجة شديدة، ويخشى عليه إن لم يقدم له عطاء ينقذه.

وإن هذه الآية وما يليها من آيات تبين من يستحقون الصدقات ومن يؤثرون، فصدرها سبحانه وتعالى بالإشارة إلى أنه يسوغ إعطاء غير المسلمين، بل يجب، وبذلك التصدير يتبين موضع الإسلام من احترام الإنسانية، والإخاء الإنساني العام؛ فإنه يدعو إلى التعاون والسلم العام، وما يحارب إلا لتقرير ذلك السلام؛ فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَةً ... )، وقال تعالى: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْم فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ. . .).

ومعنى قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) أي أن الواجب المفروض عليك هو التبليغ والدعوة إلى ربك بالموعظة الحسنة؛ فليس عليك أن تهدي عاصيًا، ولا تدخل الإيمان في قلب كافر، فلا تمنع صدقة لأجل الكفر، ولا تمنع عطية للحمل على الإيمان (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) فهو يهدي من يسير في طريق الهداية، ويفتح قلبه لنور الإيمان، فيوفقه المولى العلي القدير العليم بما تخفي الصدور إلى الحق فيدركه بعد أن يأخذ في الأسباب، ويسد عن قلبه مداخل الشيطان إليه.

وعليك أنت أيها الرسول أن تبلغ ما أنزل إليك، وأن تعامل الناس بما يليق بأخلاق أهل الإيمان، وباحترام الإنسانية وسد حاجة المعوزين، ولو كانوا من المخالفين الذين يدينون بغير دينك، وأن تعاملهم بالتي هي أحسن.

وبهذا المنهاج القويم أخذ السلف الصالح رضوان الله تبارك وتعالى عليهم مقتدين بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. وإنه يروى أنه في الموادعة التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشركين التي تمت في صلح الحديبية أصابت قريشا ضائقة، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي سفيان بن حرب زعيم الشرك في ذلك الإبان خمسمائة دينار يشتري بها قمحًا يفرج به ضائقتهم، ويسد حاجة المعوزين منهم، وهم ما زالوا مشركين (١).


(١) رواه أبو داود: الأدب - الحذر من الناس (٤٢١٩)، وأحمد (٢١٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>