للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن كل سائل وعنده ما يغنيه يعد ملحفا، والإلحاف بكل صوره منهي عنه؛ ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: " من استعف أعفه الله، ومن استغني أغناه الله، ومن يسأل الناس، وله عدل خمس أواق فقد سأل الناس إلحافًا " (١).

وفى الجملة إن السؤال ذل وأمر قبيح لَا يلجأ إليه المؤمن إلا عند الضرورة، وعلى من يرى سائلًا أن يعطيه إن كان المعطِي في سعة، وإن قام في نفسه أنه غنى لا يعطيه، ولكن عليه أن يحتاط لدينه كما يحتاط لصدقته؛ وخصوصًا في عصرنا هذا الذي أهمل فيه حق الفقير، فلا يجري عليه رزق دائم من الدولة، وليس للناس مروءات يغنون بها ذوي الحاجات، فكان حقا على الناس أن يعطوا هؤلاء المحرومين، كما قال تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ للسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).

(وَمَا تنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) هذه الجملة السامية ختمت بها الآية الكريمة، لثلاثة أمور:

أولها: تربية الشعور بمراقبة الله في نفس المؤمن، فإنه إذا أحس أن الله سبحانه وتعالى مطلع دائمًا على كل ما يعمل من خير ومن شر، أحس بمراقبته سبحانه، ودام ذكره له، وشعوره بعظمته، فيكون في مقام العبودية الرفيع، ويعبد الله كأنه يراه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " (٢).

ثانيها: هو الإحساس برضا الله عنه عند فعل الخير، إذ إن الله يراه وهو يفعله، والإحساس بمرضاة الله مقام جليل، فرضوان الله أكبر من كل نعيم.


(١) أحمد: مسند الشاميين - حديث رجل من مزينة رضي الله عنه.
(٢) سبق تخريجه قريبا من رواية البخاري ومسلم ويخرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>