للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا فضل شيء بعد كفاية المتعفف أعطى السائل؛ فإن مذلة السؤال توجب العطف؛ ولذا ورد " للسائل حق ولو جاء على فرس " (١) وإن على من يعطي سائلًا أن يتعرف حاله أهو يسأل متكثرا، وهو غني أم هو فقير يسأل مستعينا؛ وليتهم نفسه وشحه قبل أن يتهم السائل؛ ولأن يخطئ في إعطاء غني عن جهالة خير من أن يخطي بمنع فقير تظنُّنًا وتأثمًا؛ فإن في الأول ثوابًا له بنيته، وفي الثاني إثما عليه بتغليب شح نفسه، وتركه فقيرًا يتضور جوعًا، مسوغًا ذلك بالظن الآثم والتهمة.

وإن الإثم في ترك السائلين يسألون إنما هو في عدم تنظيم الإحسان، وإغناء الفقراء عن مذلة السؤال.

ولقد تكلم العلماء في السؤال أهو سائغ من الفقير أم غير سائغ؛ فاتفقوا على أنه جائز عند الضرورة، وأنه لَا يصح أن يسأل من عنده قوت يكفيه. ولقد روى الإمام أحمد بن حنبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " المسألة لَا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع " (٢).

وإن السؤال في غير هذه الأحوال غير سائغ، وهو داخل في عموم النهي؛ ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ، فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنَ النَّاسِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ " (٣) فالسؤال حيث القدرة على العمل غير جائز.

ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم " قالوا يا رسول الله: وما يغنيه؟ قال: " ما يغديه أو يعشيه " (٤).


(١) سبق تخريجه.
(٢) قال المصنف رحمه الله: الفقر المدقع: هو الذي يلصق صاحبه بالأرض. والغرم المفظع: الدين الشديد الكثير. وذو الدم الموجع: المتحمل لدية ثقيلة الأداء. اهـ. والحديث رواه أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه (١١٨٣٠)، ورواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه بأطول من هذا.
(٣) رواه البخاري: الزكاة - الاستعفاف عن المسألة (١٧٢٧)، ومسلم واللفظ له: الزكاة - كراهة المسألة (١٧٢٧).
(٤) جزء من حديث رواه أحمد: مسند الشاميين (١٦٩٦٧) عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>