للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل إنه مع الكتابة الائتمان قائم، على أن قوله تعالى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ. . .)، سيق في حال السفر عند تعذر الكتابة.

هذا وإن تصدير الآية الكريمة بالنداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا) يشير إلى أمرين:

أحدهما: أنه ليس من مقتضى الإيمان أن تلزموا المساجد والصوامع، بل إن الإيمان أن تهذبوا نفوسكم، وترهفوا وجدانكم وتشعروا بمراقبة ربكم، لتكون دنياكم فاضلة، ويكون تعاملكم، وإدارة المال بينكم على نهج ديني فاضل، فالمال ليس طلبه ممنوعا، بل إنه من طريقه الحلال مشروع ومطلوب.

الأمر الثاني: أن الإسلام ليست أوامره مقصورة على العبادات، بل جاء لتنظيم المعاملات، بل إن العبادات فيه طريق لإصلاح التعامل الإنساني؛ وكذلك كل الأديان السماوية، فإنه من الجهل الادعاء بأن الأديان جاءت لتنظيم العلاقة بين العبد والرب فقط، ولا تتدخل في العلاقة بين الإنسان والإنسان.

(وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) في النص السابق أمر بالكتابة وحث عليها، وفى هذا النص يبين الكاتب، فبين أن الذي يكتب شخص يجيد الكتابة، وعنده فقهها وعلمها، بأن يكون على علم بشروط العقود وتوثيقها، وما يكون من الشروط سائغا في الشرع وما يكون غير سائغ؛ وقيَّد كتابته بأن تكون بالعدل بألا يزيد ولا ينقص في الدين الذي يكتبه، ولا يقيد أحد العاقدين بشروط شديدة، ويحل الآخر من كل القيود والشروط، بل يكون مراعيًا العدل في كتابة أصل الدين، ومراعيًا العدل في الالتزامات بين الفريقين، ثم إن العدل يتقاضى مع هذين أيضًا أن يكون الكاتب خبيرًا بمعاملات الناس، وما يقع بينهم، وما يمكن تنفيذه من الشروط وما لا يمكن.

وهكذا فالكاتب الذي يتولى ميزان العدل بين العاقدين يمنعهما من الشطط، ويمنعهما من التجانف لإثم. وقد ذكر في النص السامي بوصف " كاتب " للدلالة على مهارته في الكتابة، وكونها له كالملكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>