للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ) هذا نهي لمن كان قادرًا على الكتابة من أن يمتنع عن الكتابة، فلا يصح لمن يحسن الكتابة من حيث جودة الخط واستبانته، ومن حيث العلم بفقه العقود، والقدرة على تحقيق العدالة بين العاقدين في وثيقة العقد؛ لَا يصح له أن يمتنع عن الكتابة إذا دعي إليها وإنه ليأثم إن تعين للكتابة ولم يوجد موثوق به فيها سواه، وامتنع عن الكتابة، ولقد قال الفقهاء: إن الكتابة فرض كفاية بمعنى أنه إذا امتنع كُتَّاب أهل قرية عن الكتابة أثموا، بل إنه يجب على أهل كل قرية أن يخصصوا ناسًا لكتابة الوثائق فيها.

وإنه على هذا يجب أن تعمل الدولة على تهيئة ناس لتوثيق العقود وكتابتها.

وإن الكتابة لطلابها من التعاون على البر والتقوى، فهي صناعة، وهي علم، وواجب على الصانع أن يُعِين من لَا يحسن، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن من الصدقة أن تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق " (١) والامتناع عن الكتابة ككتمان العلم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " من كتم علمًا يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " (٢).

وقوله تعالى: (كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ) فيه بحثان لغويان:

أولهما: في التشبيه بالكاف في قوله: (كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ) ما المعنى الذي يفيده؟ ذكر الزمخشري أن معناه إما أن يكون تشبيها بين علم الكتابة والواجب على الكاتب، أي أنه كما أن الله علمه الكتابة ويسَّرها له، وجعله أهل خبرة، عليه واجب المعاونة بالكتابة لغيره، فالتشبيه تشبيه بين نعمة الكتابة، والواجب المتعلق بها، فما من نعمة إلا تتولد عنها واجبات مساوية لها، فنعمة الكتابة يقابلها ويشابهها ويماثلها واجب معاونة غيره بها، وهو بقدرها، ويأثم عند الترك بمقدار علمه.

هذا أحد وجهي التشبيه، أما الوجه الآخر، فهو أن التماثل بين ما يكتب على القرطاس وما آتاه الله الكاتب من فقه وعلم بالعقود والالتزامات؛ والمعنى على


(١) رواه مسلم: الإيمان - كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (١١٩)، والبخاري: العتق - أي الرقاب أفضل (٢٣٣٤) غير أن روايته بلفظ: " ضايعا " بدلا من: " صانعا ".
(٢) رواه بهذا اللفظ أحمد (١٠٠٨٢) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>