ذلك: لتكن كتابة وثيقة الدين على مقتضى العلم والفقه الذي فقَّه الله به الكاتب، أي تكون الكتابة على مقتضى أحكام الشرع، فلا تكون فيها شروط ليست في كتاب الله، أو لَا يسوغها الشرع، أو لَا يمكن تنفيذها.
الأمر الثاني: إن قوله: (كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ) ما مُتعلقه؟ أهو متعلق بـ " يكتب " الأولى، أو " فليكتب " الثانية؟ يجوز الأمران، وعلى الأول يكون المعنى: لَا يمتنع أن يكتب كما علمه الله؛ ثم أكد المعنى بعد ذلك بتكرار الأمر بالكتابة، فقال سبحانه:(فَلْيَكْتُبْ)؛ وعلى الثاني وهو أن يتعلق بقوله (فَلْيَكْتبْ) يكون المعنى: لَا يأب كاتب أن يكتب؛ فهذا نهي عن الامتناع؛ ثم قال ذلك في كيفية الكتابة (كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ) أي لتكن على قدر علمه وفقهه، ومساوية في روحها لنعمة العلم بها.
(وَلْيمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْة شَيْئًا) في الجمل السامية السابقة بيان طلب الكتابة والكاتب، وفي هذه الجملة بيان من يتولى الإملاء؛ فقال سبحانه:(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) أي ليُمْلِ على الكاتب الذي عليه الدين ويلتزم بأدائه، وذلك ليكون إملاؤه إقرارًا بالدين وبالحقوق التي يجب عليه الوفاء بها.
والإملال معناه الإملاء، وهما لغتان في الإملاء. وقال بعض اللغويين: إن الأصل هو الإملال، وعلى أي حال قد وردت اللغتان في القرآن، فقد قال تعالى:(اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).
وإذا كانت تبعة الإملاء قد وضعت في عنق من عليه الحق فإن عليه عند الإملاء واجبين: تقوى الله، وعدم البخس؛ ولذا قال تعالى:(وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ) أي لَا ينقص (مِنْهُ شَيْئًا) وقد وثق سبحانه الأمر بالتقوى بأن جعل التقوى من الله، وهو رب كل شيء ورب من عليه الحق، أي عليه عند الإملاء أن يراقب الله جل جلاله الواحد القهار الغالب على كل شيء المسيطر على كل شيء الذي يغلب ولا يغلب، فلا يتلاعب بالعبارات حتى لَا يذهب بحق صاحب الحق؛ ثم