للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولها في قوله تعالى (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فإن التعبير بـ (أَمِنَ) بدل أعطى أو أودع، إشارة إلى الجانب الذي أعتمد عليه وهو خلق الأمانة في صاحبه، فهو لَا يرى فيه إلا جانبًا مأمونا لَا يتوقع منه شرا من جحود أو خيانة.

ثانيها: ذكر الظاهر بدل الضمير في قوله تعالى: (فَلْيؤَدِّ الَّذِي اؤْتمِنَ) فإن التعبير بالموصول هنا يشير إلى علة وجوب الأداء، أو إلى توثيق الأداء؛ لأنه ائتمنه، فحق عليه أن يؤدي الأمانة.

ثالثها: في إضافة الأمانة في قوله تعالى: (أَمَانَتَهُ) فإن الأمانة هي في الواقع للدائن أو المعطي من حيث إنه مالك للدين وللوديعة ونحوها، ولكن أضيفت إلى المدين من حيث إنها عبء عليه يجب أن يُؤدى، وبأدائه يزيل ما عليه من عبء فإن الأمانة عبء ثقيل لمن عرف حقها.

رابعها: قوله تعالى: (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) فإذا كان صاحب الحق لم يوثق حقه بكتاب أو شهادة أو رهن، فإن التقوى هي الوثيقة الكبرى التي لَا تعدلها وثيقة.

وقوله تعالى: (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) فيه طلب للتقوى مؤكد بالأمر، وبالتعبير بلفظ الجلالة الذي يربي ذكره الهابة في النفس، إذ يحس القارئ بعظمة الخالق وجبروته وألوهيته، ومؤكد أيضًا بالتعبير بربه؛ إذ فيه إشارة إلى أنه خالقه وبارئه ومربيه، والمهيمن الدائم عليه.

(وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) بيَّن سبحانه في النص السابق وجوب أداء الأمانة عامة، ولأن الكلام في الديون وطرق توثيقها كانت دالة على وجوب أداء الأمانة في الديون خاصة. وفي هذا النص الكريم يبين نوعا من الأمانات يجب أداؤه، وأداؤه أشد وجوبا، وأغلظ تكليفا، وهو أمانة الشهادة؛ فإن العلم بصاحب الحق أمانة في عنق العالم به يجب عليه أداؤها عند طلب ذلك منه أمام القضاء أو أمام غير القضاء؛ وإن هذه الأمانة كانت أغلظ الأمانات لأنها تُناط بها الحقوق، وانتظام المعاملات، وقيام المجتمع على أساس من الثقة وتبادل المنافع؛ ولهذا قال تعالى: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ) وكتمان الشهادة ألا يقول ما عاين، بأن

<<  <  ج: ص:  >  >>