للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يمتنع عن الذهاب إلى مجلس القضاء مطلقا، أو يذهب ويقول لَا أعلم؛ فإن ذلك فوق أنه كتمان كذب، أو يقول بعض ما يعلم. والأداء أن يقول كل ما يعلم حيث طلب إليه أن يقول، ولا يترك شيئًا مما يعلمه متصلا بموضوع الشهادة.

وقد وصف الله سبحانه من يكتم الشهادة بالإثم، وأسند الإثم إلى القلب، فقال سبحانه: (وَمَن يَكْتمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) وقد أسند الإثم إلى القلب خاصة مع أن الإثم يسند إلى الشخص، وهذا من قبيل المجاز، وهو تعبير عن الكل باسم الجزء؛ لأن لذلك الجزء مزيد اختصاص في موضع الحكم، لأنَّ الإثم في كتمان الشهادة عمل القلب لَا عمل الجوارح، ولأن القلب أساس كل خير وكل شر ولو كان الإثم من عمل الجوارح، فهو المضغة التي إن صلحت صلح الجسم كله، وإذا فسدت فسد الجسم كله. ولقد قال الزمخشري في هذا المعنى: " كتمان الشهادة هو أن يضمرها، ولا يتكلم بها، فلما كان إثما مقترنا بالقلب أسند إليه؛ لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ؛ ألا تراك إذا أردت التوكيد تقول: هذا مما أبصرته عينى، ومما سمعته أذني، ومما عرفه قلبي؛ ولأن القلب رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله؛ فكأنه قيل: فقد تمكن الإثم في أصل نفسه، وملك أشرف مكان فيه، ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان، ولِيُعْلَمَ أن القلب أصل متعلقه، ومعدن اقترافه، واللسان ترجمان عنه؛ ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح، وهي لها كالأصول التي تشع منها، ألا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر، وهما من أفعال القلوب؛ فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب، فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب ".

وهنا يسأل سائل: إن ما يهم به القلب لَا يحاسب عليه الشخص؛ ألا ترى أن من هم بسيئة فلم يفعلها لم يكتب عليه شيء، فكيف يكون إثم في عدم أداء الشهادة، وهي ليست إلا عملا قلبيا لَا أثر له في الجوارح؟ والجواب عن ذلك: أن

<<  <  ج: ص:  >  >>