للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعمال القلب ليست معفاة من الإثم دائمًا، إنما الذي يعفى من العقاب ما يجول بخاطره ويتمناه من غير أن يكون له أثر في الجوارح، أما ما يعتزمه ويصمم عليه، ويتجه إليه، ولكن يفوت التمام لأمر خارج عن إرادته وليس له قبل به، كمن يعتزم قتل شخص ويذهب إليه ليفترسه، وقد عقد النية، واستحصد العزيمة، ولكن أفلت من يده، أفلا يكون ثمة إثم؛ وأحيانا تكون عزيمة القلب وحدها هي موضع المؤاخذة، وذلك إذا كان عمل القلب كف الجوارح عن العمل في موضع يجب فيه العمل، فترك الواجبات كلها موضع مؤاخذة، ومن ذلك ترك الشهادة. وفي الشرع الإسلامي جرائم تسمى جرائم الترك، وهي الجرائم التي يكون الجزاء فيها ليس على الفعل، ولكن على ترك واجب، كمن يرى شخصا يموت جوعا ومعه مال ولا يسد غائلة جوعه، وكمن يرى أعمى يتردى في بئر ويتركه قاصدًا بالترك أن يموت، وهكذا؛ ومن ذلك النوع كتمان الشهادة، فهو ترك الواجب، وهو إثم وجريمة بسبب ذلك الترك.

(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ختمت الآية الكريمة بهذه الجملة السامية، للوعد والوعيد، ببيان علم الله ذي الجلال والإكرام المنتقم الجبار علمًا دقيقًا بما يعمله كل إنسان؛ يعلم الخير والشر، ويعلم ما تخفي الصدور، وما تكنه القلوب، وما يظهر على الجوارح، فيجازي على الإحسان إحسانًا، وعلى السوء سوءا؛ فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، ومن يأكل أموال الناس بالباطل إنما يأكلون في بطونهم نارَّاً ويصلون سعيرًا.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>