وإن هذه الأمور محببة لنفس الإنسان، مجبول بفطرته على الميل إليها، والاستشراف لها وطلبها، فهي طَلِبَةُ النفس الإنسانية؛ إذ هي من طبيعتها، وهي تتقاضاها طبيعة الإنسانية، ومن يحاول أن ينزع الميل إلى هذه الأشياء الستة من نفسه، فإنما يحاول اقتلاع الخاصة الإنسانية من كونه، فالطبيعة الإنسانية قد ركز فيها حب هذه الأمور، ولا تخرج هذه الأمور من النفس الإنسانية إلا إذا بعد الإنسان عن طبعه.
ولأن هذه الأمور في الفطرة الإنسانية عبر سبحانه وتعالى بالبناء للمجهول، فقال سبحانه:
(زُينَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) فأبهم سبحانه مَنْ زَين حب هذه الأمور للإشارة إلى أنها في الفطرة الإنسانية، نشأت في الإنسان منذ خلقه سبحانه وأنزله إلى هذه الدنيا، فهو قد كوَّنه سبحانه ومعه تلك الطبيعة الإنسانية، وإنه ينتهي الأمر إلى أن الذي زين هذا الحب هو الله سبحانه وتعالى، وقد يؤكد ذلك قراءة مجاهد (زيَّنَ لِلنَّاسِ)(١) بالبناء للفاعل، ويكون الفاعل ضميرا يعود على الله سبحانه وتعالى. ومعنى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ): أودعت فطرتهم حب هذه الشهوات، وأنهم لَا يرون فيها نقصا ولا مخالفة للكمال والشهوات المراد بها موضع الشهوات، فهي من باب ذكر المصدر وإرادة اسم المفعول؛ فهذه الأمور الستة هي المشتهيات، وليست هي الشهوات، ولكن أطلق عليها اسم الشهوات للإشارة إلى شدة محبتها والحرص عليها. ولقد قال الزمخشري في ذلك:" جعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشهاة محروصا على الاستمتاع بها " فالمراد أنهم يحبون هذه الأشياء، ويرون محبتها أمرا حسنا، ولا غضاضة فيه.
ويرى الزمخشري أن قوله تعالى:(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) فيه إشارة إلى خساسة هذه الأمور، ويقول في ذلك: " والوجه أنه يقصد تخسيسَها فيسميها شهوات، لأن الشهوة مسترذلة مذموم من اتبعها شاهد على نفسه
(١) وبها قرأ الضحاك، ينظر: المحرر الوجيز ١/ ٤٠٨، البحر المحيط ٢/ ٤١٣، الدر المصون ٢/ ٣١. .