فلماذا اختصها بالذكر؟ والجواب عن ذلك أنه ذكرها لأنها أوضح من غيرها، ومجمع على طلبها، ولأن فيها إشارة إلى أنواع المتع كلها؛ فذكر النساء فيه إشارة إلى متعة الصلة التي تربط بين الرجل والمرأة، سواء أكانت متعة جسدية أم كانت متعة روحية، وإشارة إلى الأسرة التي هي قوام المجتمع. وذكر البنين فيه إشارة إلى بقاء النوع الإنساني، والعزة بالقبيلة والعشيرة والجنس والأرومة. وذكر المال فيه إشارة إلى الحاجات الإنسانية والنظم الاقتصادية التي يعد المال أساسها وعصبها. وذكر الخيل المسومة فيه إشارة إلى الكفاح في نصرة الحق، والجهاد في سبيل الله، وأنه لَا يحمي الجماعة إلا قوة مسلحة، كما قال تعالى:(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٦٠).
وفي ذكر الأنعام والحرث إشارة إلى أصول الإنتاج الطبعي الذي هو مادة الاقتصاد الأولى. فذكر هذه الأمور الستة يومئ إلى سائر متع الحياة؛ ولذلك اعتبرها الله سبحانه متع الحياة فقال:
(ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْن الْمَآبِ) أي هذه الأمور التي حببت إلى النفوس هي متاع الحياة الدنيا، وموضع النفع والانتفاع فيها، وهي موضع الزينة ومطلب الناس الذي يستمتعون به ويرغبون فيه، ولكن عليهم في طلبها والسعي إليها واللجاجة في طلبها أن يلاحظوا ربهم؛ وأن يطلبوا ما عنده؛ ولذا قال سبحانه:(وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْن الْمَآبِ) أي أن الله جل جلاله وهو المستحق للألوهية وحده عنده حسن المرجع، فإن المآب معناه المرجع، من آب يئوب بمعنى رجع.
وفى ذكر هذه الجملة السامية في هذا المقام إشارة إلى أن هذه الأمور مع أنها متع هي موضع حساب، فإن اعتدلوا في طلبها وقصدوا إليها من طريقها الحلال وأجملوا في الطلب كانت موضع ثواب، وإن طلبوها من غير حلها، ولم يعطوا حقها، فإنها تؤدي إلى العقاب. وفي هذا الذكر إشارة إلى وجوب الاعتدال في