للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢)

* * *

ذكر سبحانه اختلاف أهل الكتاب فيما بينهم، واختلافهم على أنبيائهم بعد أن جاءتهم البينات من ربهم؛ وفي هذه الآية يبين سبحانه محاجتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشار إلى أنها محاجة ليس أساسها الإذعان للحق إذا تبين، بل أساسها محاولة طمس الحق، واللجاجة بالباطل، وذلك لأن المجادلة قسمان: قسم يراد به طلب الحق وتمحيصه، ودراسة الأمر من كل نواحيه، وتبادل الأدلة ليستبين من بينها نور الحق، وهذا القسم محمود لَا شك فيه. والقسم الثاني لَا يقصد به طلب الحق، بل يقصد به الدفاع عن فكرته من غير نظر إلى كونها حقا أو باطلا، فهو يجادل ليغالب خصمه، لَا ليهتدي إلى أقوم المناهج، ومن ذلك النوع الأخير مجادلة أولئك الذين اختلفوا من أهل الكتاب، ومجادلة أولئك الذين جحدوا بالآيات من المشركين الذين قال الله سبحانه وتعالى في أمثالهم: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ. . .)، وإذا كان جدل هؤلاء من ذلك النوع الذي لَا يقصد به رفع منار الحق أو طلب الحق، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر ربه طلب إليهم أن يخلصوا في طلب الحقيقة كما أخلص هو، ولذا قال سبحانه: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِيِّينَءَ أَسْلَمْتُمْ) المحاجة: أن يتبادل المتجادلان ما يعتقده كل فريق أنه حجة بأن يقدم كل واحد حجته، ويطلب من الآخر أن يرد عليها أو يقدم الحجة على ما يدعيه ويزعمه الحق الذي لَا شك فيه. والمعنى: فإن حاجك أهل الكتاب، ومن لف لفَّهم، وسلك مثل طريقهم، فلا تسر معهم في لجاجتهم، فهم لَا يطلبون الحق مخلصين في طلبه لَا يبغون بدله، ولا يريدون غيره، بل إنهم قد شاهت عقولهم، وتأشبت بالغرض المردي نفوسهم وكلامهم هو التمويه الكاذب ولذلك لا

<<  <  ج: ص:  >  >>