تُجارهم في هذه اللجاجة، واطلب تصفية قلوبهم من الغرض والهوى، وابدأ بنفسك فبين سلامة مقصدك ونيتك:(فَقلْ أَسْلَمْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ). والوجه المراد به الذات، لأنه هو الذي تكون به المواجهة، وهو مجمع محاسن الجسم، فالتعبير به عن الجسم تعبير بجزء له شأن خاص وتتم به إرادة الكل. ومعنى أسلمت وجهي: أخلصت وسلمت نفسي وتفكيري لله سبحانه وتعالى، فلا أفكر إلا في الله، ولا أطلب الأمر إلا لله، ولا أقصد في طلبي إلا وجه الله. ومعنى قوله:(وَمَنِ اتَّبَعَنِ) أي قد أسلم الذين اتبعوني وارتضوا الإسلام دينا، فقد أخلصوا في طلب الحق وأسلموا وجوههم لله تعالى. وإن إسلام الوجه لله تعالى وحده فيه إشارة إلى التوحيد، وأن محمدا وأتباعه لَا يعبدون إلا الله، وفوق ذلك لا يطلبون أي أمر من الأمور إلا لوجه الله تعالى، وتكون هذه الجملة السامية كقوله تعالى:(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤).
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه قد أخلصوا لله ذلك الإخلاص في العبادة فإن الأساس الذي تبنى عليه المجادلة بالتي هي أحسن، أن يطلب منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكونوا على مثل تلك الحال من الإخلاص في طلب الحقيقة، ولذا أمر الله نبيه بأن يطلب إليهم ذلك، فقال سبحانه:(وَقل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَءَأَسْلَمْتُمْ).
أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى، لأن أسلافهم قد أوتوا الكتاب أي أعطوه كاملا وأخذوه كاملا، وإن كانوا مع ذلك قد نسُوا حَظا ممَّا ذُكِّرُوا بِه.
والأميون هم المشركون، وجاء التعبير عن المشركين بالأمّيين، لأنَهم أولا تغلب فيهم الأمية؛ إذ قليل منهم من يقرأ ويكتب، وليست لهم علوم؛ ولذا كان يقول العرب عن أنفسهم، نحن أمة أمية، ولأنهم لم يعرف لهم كتاب يرجعون إليه في أحكام دينهم. وفوق ذلك هذا التعبير فيه توبيخ لليهود والنصارى؛ إذ إنهم بعدم تسليمهم للحق وإذعانهم له تساووا مع أولئك الذين كان يسميهم اليهود